في كتابه عن الصراع حول الثروات في السودان ذكر الخبير الفرنسي في الشأن السوداني زمقموند استروفسكي: في الساعة السابعة مساءً من يوم الخامس والعشرين من يناير 2006 التقيت بياسر عرمان في فندق مريديان بالخرطوم لنذهب معاً لمقابلة الرئيس عمر البشير، ومن هناك توجهنا نحو القصر الرئاسي، وكان الحرس العسكري وأشخاص بالزي المدني يسمحون لنا بالمرور عندما يرون ياسر عرمان، وقرب إحدى الغرف البيضاء العديدة داخل المقر الرئاسي توقفت العربة، وكان رجال الأمن يحيون ياسراً فهو شخص مألوف لديهم. ويضيف استروفسكي أن ياسر توجه الى غرفة أخرى ليعقد اجتماعاً قصيراً مع الرئيس البشير الذي دخل علي في الساعة الثامنة مرتدياً زياً غير رسمي وكان يتبعه ياسر، دعاني الرئيس لأجلس بالقرب منه على الأريكة وجلس ياسر بعيداً عنا، ذكّرت الرئيس بحديثنا في باريس قبل ثلاثة أعوام حين تحدثت معه وقتها عن اختفاء محتمل لجون قرنق، نظر إلي الرئيس البشير في عيني مباشرة متلهفاً لمعرفة حقيقة هذا الاختفاء الذي حدث أخيراً فعلاً، وعندما طلبت منه أن يحدثني عن رؤيته لمستقبل السودان أجابني قائلاً: سأخصص لك وقتاً كافياً لهذا الموضوع في فرصة أخرى، نسق مع ياسر عرمان لمقابلتي مرة أخرى. دقت الساعة مشيرة إلى التاسعة فنهضنا، ولكن قبل أن نغادر وافق الرئيس على أن تلتقط له صورة معنا وقال لي: عد لزيارتنا عندما ترغب في ذلك، أطلب من ياسر عرمان أن يحدد لك مواعيد، ومرحباً بك في أي وقت. ويشير استروفسكي الى أنه قابل د. جون قرنق مراراً في نيروبي، ويضيف: لأسباب أمنية كانت اجتماعاتنا تدور في فندق سفاري فاخر. وفي أبريل 1993 دعتني الحكومة السودانية بالخرطوم، ورغب البشير وحتى الترابي اللذين قابلتهما أثناء إقامتي في معرفة وجهة نظر العقيد جون قرنق. وقبل زيارتي للخرطوم كنت قد قابلت د. جون قرنق في نيروبي، وقد شجعني لمقابلة السياسيين في الخرطوم. وحين التقيت بالعديد من الشخصيات الشمالية أكد لي السيد أبو قصيصة الذي كان مسئولاً بوزارة السلام والتنمية أنه لم يسبق للحكومة أن تمنت إبعاد العقيد جون قرنق حتى وإن بدا ضعيفاً بعد الانقسامات داخل الحركة الشعبية، أما الرئيس عمر البشير فقد كان يقول لي: لا نرغب في حرمان جون قرنق من فرصته، فهو قد استحق الاعتراف. وقد بدا لي الرئيس حينها صادقاً. وأكد حسن الترابي أيضاً أنه لا بد من إشراك جون قرنق في مفاوضات أبوجا مع الحركة الشعبية حينها. ويضيف استروفسكي أنه في ربيع 1994 جرت تغييرات كبيرة على مستوى الحركة الشعبية، فحركة قرنق كانت تقوى بوضوح، في حين كان جناح رياك مشار في ضعف مستمر حينها. وفي 18 أكتوبر 1994 ذهبت الى كينيا، وقد كان من المفترض أن أقابل د. جون قرنق في نيروبي، ولكن ذلك اللقاء لم يتم ولذلك التقيت بوزير خارجيته دينق ألور مدة طويلة، وأكد لي الأهمية التي يوليها قرنق لوجود فرنسا إلى جانبه، وحدثني عن اهتمام جون قرنق باللقاءات الباريسية التي استمرت في السر بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية خلال الأشهر المنصرمة. ولكن دينق ألور تأسف في لقاء نيروبي على تغيير سياسة الحكومة الفرنسية الجيدة وبرودها تجاه القضية السودانية وشرح تساؤل الجنوبيين السودانيين حينها حول تسليم كارلوس من الخرطوملفرنسا والثمن الذي يجب أن تدفعه الأخيرة مقابل ذلك. ويضيف استروفسكي: لم يفتني أن أشرح لدينق ألور في نيروبي أن فرنسا وعلى الرغم من وجودها دائماً بجانب الأفارقة ترى أن سياسة جون قرنق غير متسقة، وأنه إذا لم ينجح الجنوبيون في تقوية أنفسهم ضد الخرطوم فلن يعتبرهم الاتحاد الأوروبي شركاء. وقد شاركنا هذه الرؤية الرئيس اليوغندي يوري موسفيني الذي يعتقد أنه لن يٌجبر الخرطوم على الانصياع لمطالب الحركة الشعبية إلا معارضة جنوبية قوية. وعاجلاً استقبل جون قرنق معدات ثقيلة من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية التي رحلتها بحجة دعم رواندا الى شمال يوغندا حيث يدرب جنوبيو الحركة الشعبية حينها على يد عساكر من أمريكا. ألا يفسر وجود هؤلاء الأمريكان بالقرب من الحركة الشعبية غياب قرنق الغامض.