يقول رافي إيتان: وهو أحد أعضاء الفريق المكلف باختطاف إيتشمان: كنت في السيارة خلف إيتشمان الذي كان يسير بسرعة.. وسمعت خلفي صوت باب يفتح من بابي السيارة الخلفية، يفتحه خبيرنا المكلف بخطف إتيشمان.. كنت أسمع تنفس الخبير وهو يتنفس بعمق وانتظام كما تدرب على ذلك لأن الزمن الذي قدره لاختطاف إيتشمان باثنتي عشرة ثانية فقط.. يخرج من السيارة ويمسك به من رقبته ثم يجره إلى داخل السيارة.. تعثر الخبير برباط حذائه الذي كان محلولاً وكاد يقع على الأرض.. بدا إيتشمان مذعوراً ويبتعد من السيارة بسرعة.. يقول رافي إيتان: قفزت من السيارة وأمسكت به من رقبته بقوة جعلت عينيه تجحظان، ولو شددت عليه قليلاً لمات خنقاً، لكن الخبير نهض وفتح الباب.. قفزت بالرجل على المقعد الخلفي فقفز الخبير وراءه كل هذه العملية لم تستغرق خمس ثواني كان الجميع في صمت شديد حتى وصولنا البيت السري .. وهنالك أمرته أن يخلع ملابسه.. لم اندهش عندما اكتشفت أن إيتشمان قد أزال وشم «S.S» عن جسده. وهنالك تم تقييده بسلسلة من الحديد ورُبطت إلى سريرهِ ولعشر ساعات تركته في صمت تام لاستثارة شعور اليأس فيه.. فسألته عن اسمه فاعطى اسماً أسبانياً فقلت لا.لا.لا. اسمك الحقيقي في «S.S» فتمددت على السرير، كما أنه يريد أن يتأهب وقال بصوت عالٍ وواضحٍ «أُدولف إيتشمان».. وخلال الأيام التالية لم يكن أحد يكلم إيتشمان.. كان يأكل ويستحم ويذهب إلى المرحاض في صمت تام. { المنزل الأمني مصطلح مخابراتي المقصود منه «المكان الآمن الذي لا يثير الشكوك لدى الشرطة أو رجال الأمن في الدولة التي تدار فيها العملية الأمنية السرية في أرضها، وعادة في مثل هذه العملية التي تتسم بالخطورة القصوى يتم استئجار أكثر من شقة وذلك لتمويه رجال الأمن». { خطة ترحيل إيتشمان بعد اختطافه: أمر رئيس جهاز الموساد أحد رجال جهاز الموساد بدخول المستشفى بزعم أنه تعرض لحادث نتج عنه ارتجاج بالمخ، وبعد خمسة أيام خرج العميل من المستشفى بتقرير طبي رسمي عن إصابته.. تم استغلال الرسام شالوم فايس ليصاحب إيتشمان من المطار دون أن ينتبه له أحد من رجال الأمن.. ومع انتهاء زيارة الوفد الإسرائيلي الرسمي وعودته إلى تل أبيب.. وصلت إلى المطار ثلاث سيارات كان إيتشمان مخدراً في واحدة منها بشكل بدا طبيعياً لمريض أُخرج سريعاً من المستشفى وتقرر سفره على متن طائرة بلاده لاستكمال العلاج، أقلعت الطائرة بهدوء إلى إسرائيل. وأعلن رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون في خطابه أمام الكينست هذا الانتصار العظيم. بدأت المحاكمة العلنية بعد عام من إلقاء القبض على المختطف، حيث أنكر إيتشمان طوال مراحل استجوابه الاتهامات الموجهة له، وأعلن مراراً وبصوتٍ صارخٍ وحاسمٍ أنه كان ينفذ أوامر الزعيم أدولف هتلر.. ومؤكدًا بتصميم أنه كان يساعد اليهود على الإفلات من القتل في أوربا.. طالباً شهادة الدكتور «رودلف كاستنر» رئيس الوكالة اليهودية بالمجر.. إلا أن طلبه رُفض. وأدانته المحكمة «بارتكاب الجرائم البشعة بحق الإنسانية» وحكم عليه بالإعدام شنقاً. وعندما علم إيتشمان بمصيره تقدم بطلب عجيب بدلاً من التماس الرحمة والعفو أو تخفيف الحكم.. تقدم بطلب، يطلب فيه من السلطات الإسرائيلية بالسماح له باعتناق الديانة اليهودية، وأن تسجل ديانته الجديدة في الأوراق الرسمية قبل إعدامه. كان الالتماس مثيراً للدهشة ونشرت الصحف الخبر وعلَّقت عليه، بأنه محاولة لابتزاز المشاعر والعطف والرحمة لتخفيف الحكم عنه.. إلا أن مناوراته لم تنجح، لأن كل يهودي في إسرائيل يحلم أن يقتله بيده ألف مرة. تقدم مسؤول إسرائيلي وسأله عن الأسباب التي دفعته لذلك؟.. قال مبتسماً: إنه لن يجيب عن ذلك إلا أمام ممثلي الصحافة ووكلات الأنباء وفي المؤتمر الحاشد.. وقف إيتشمان وقفة عسكرية ثابتة أمام عدسات المصورين وقال: أيها السادة لقد جئتم اليوم وأنتم متخمون بالدهشة وتتساءلون لماذا؟ لماذا ينقلب هذا النازي السابق عن مسيحيته ويطلب اعتناق اليهودية؟ هل تتصورون أنني أطلب هذا الحق حباً في اليهودية؟ وتحقيراً لديانتي لعظم الديانة اليهودية؟.. أنني يا سادة أردت اعتناق اليهودية ليس حباً فيها ولا في إسرائيل. إنما أردت بذلك أن أهتف لنفسي أن كلباً يهودياً قد أُعدم ليلحق من سبقوه من الكلاب، وأضاف بصوتٍ عالٍ مليء بالحماس، وأنه لكمْ يسعدني قبل أن أموت.. أن أوجه رسالة إلى الشعب الإسرائيلي أشفعها بكل ندمي وحرقتي وأقول لهم.. إن أشد ما يحزنني ويحز في نفسي ويؤلمني أنني ساعدتكم على النجاة من معسكرات هتلر.. لقد كنت أكثر إنسانية معكم.. بينما كنتم تفيضون خبثاً وقذارة أيها الكلاب.. إن أرض فلسطين ليست أرضكم ولا إرثكم فما أنتم إلا عصابة من الإرهابيين والقتلة ومصاصي دماء الشعوب.. وفي 31 مايو 1962 أُعدم رمياً بالرصاص. { خطف ابن بركة وقتله في باريس: