هاشم عبد الفتاح: تظل البوابة الشرقية لبلادنا هي مبعث الريح والعواصف الهوجاء والثغر الذي تلج إلينا عبره كل جرائم الآخرين من محيطنا القريب والبعيد ..وتظل كذلك مكونات هذا الشرق السوداني كتلة من القضايا والتحديات والتداعيات الجسام التي تثير الهواجس لدى الحاكم والمحكومين . فهناك في شرق السودان وبالأخص في حدود كسلا شرقاً تتنامى ظاهرة الاتجار بالبشر تلك الجريمة النكراء التي تتجاوز في غير إنسانية قوانين الدول وأعرافها قبل أن تكون جريمة مكتملة الأركان في حق الإنسان الذي كرمه الله وأحسن خلقه ..فهي إذن جريمة مستوردة تديرها شبكات المافيا العالمية التي تتحرك في فضاءات الحدود والصحاري الممتدة لمئات الأميال وبلا رقيب بين دول الجوار الافريقي ولكنها اقتحمت حدودنا . المعسكرات .. بوابة التجارة وقد صعدت ظاهرة الاتجار بالبشر كثقافة اقتصادية وتجارية رابحة تنشط وبشكل يثير الدهشة والأسى وتستوجب التدبر والتأمل . يقول الأستاذ محمد طاهر اوشام نائب دائرة همشكوريب الغربية بولاية كسلا إن ظاهرة تجارة البشر في شرق السودان، ظهرت متزامنة مع ظاهرة تهريب السلع في ظل ظروف أمنية واقتصادية مشجعة على التهريب مع تزايد معدلات التسلل من اريتريا إلى داخل حدود السودان وأصبحت هناك معسكرات للاجئين الاريتريين موجودة وبشكل كبير في ولاية كسلا وفي ظل هذه الأوضاع برزت شبكات منظمة من المهربين في تجارة البشر والذين يعملون في مجال تهريب السلع هم الذين يمولون نشاط تجارة البشر وللأسف الشديد فإن تجارة البشر انتشرت بشكل كثيف داخل معسكرات اللجوء بولاية كسلا وهي معسكرات غير مهيأة وتعاني من النقص الحاد في الصحة والخدمات والمياه ما جعل هؤلاء اللاجئين يزحفون ناحية المدن الكبيرة بحثاً عن معايشهم وخدماتهم وهنا لابد من مناشدة الأممالمتحدة ومفوضية اللاجئين لتأمين هذه المعسكرات وتوفرلهم حاجتهم من الغذاء والكساء استجابة للاتفاقيات الدولية . ثقافة تجارية جديدة وزاد اوشام قائلاً : نحن نعتقد أن هذا النوع من التجارة فيه انتهاك واضح لكرامة البشر ولحقوق الإنسان وقد أصبحت تجارة البشر ثقافة اقتصادية و تجارة مربحة للمهربين وأصبحت هناك شبكات في مصر والسودان وتتم عمليات التهريب عبر البحر الأحمر وعبر سيناء وهناك مراكز خاصة يتم فيها حبس الضحايا من المختطفين وتمارس فيها كافة أشكال الابتزاز مع ذوي الضحايا ويطلبون منهم آلاف الدولارات نظير إطلاق سراح أي مختطف. حراك برلماني وأشار اوشام إلى أنهم كبرلمانيين من أهل الشرق سعوا الى معالجة هذه الظاهرة والدفع بها إلى أعلى قمة في الدولة وفي المجلس الوطني كمسألة مستعجلة وذلك منذ أكثر من عام وكنا نريد أيضاً تطوير القانون الجنائي لأن عقوبة العشر سنوات ليست كافية في مثل هذه الجريمة ولابد أن يكون هناك تنسيق أو تفاهمات بين السودان واريتريا وأثيوبيا للحد من تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر عبر شرطة موحدة وحدود آمنة . وعبر الأستاذ اوشام عن بالغ أسفه بأن كل هذه الجرائم تتم داخل الأراضي السودانية وأضاف :ولكن أعتقد أن الإخوة في ولاية كسلا بداؤا في التحرك فأصدر المجلس التشريعي هناك قانوناً خاصاً للحد من ذات الظاهرة كما أن البرلمان القومي صادق مؤخراً على قانون مكافحة تجارة البشر ونعتقد أنه قانون رادع تصل عقوبته حد الإعدام خصوصاً أن القانون الجديد نص على تشكيل لجنة عليا لمكافحة التهريب ونص أيضاً على إنشاء محكمة خاصة ونيابة خاصة . وما نرجوه نحن كنواب أن يشرع مجلس الوزراء فوراً في إنزال القانون على أرض الواقع وتكوين الشرطة الخاصة والنيابة الخاصة والمحكمة الخاصة علماً بأننا نلحظ أن هذه الظاهرة خفت حدتها الآن بعد إجازة هذا القانون من البرلمان. تهتك النسيج الاجتماعي ومن أكبرالمخاطر التي ورثتها مجتمعات شرق السودان جراء هذه الظاهرة أن النسيج الاجتماعي بهذه المجتمعات تأثر سلباً بهذه الظاهرة وبالأخص المجتمعات القبلية التي كانت هي في أشد التماسك ولكنها الآن أصبحت مهددة بعدم الاستقرار وعدم التعايش ولهذا فإن تجارة البشر تشكل خطراً كبيراً على مكونات شرق السودان بعد أن أصبح الإنسان هناك يباع ويشترى في أعضائه لبعض شبكات الإجرام المنظمة في كل من مصر والسودان وهذا يستوجب تكامل الجهود بين مصر والسودان من أجل مكافحة هذه الظاهرة . وفي تعليقه على ظاهرة اختطاف الطفل حافظ عبدالله الذي نشرنا حكايته الأيام الفائتة أوضح اوشام أن أسرة هذا الطفل عانت كثيراً في سبيل عودة ابنها من أسواق التجارة العالمية خصوصاً أنه تعرض الى ضغوط نفسية كبيرة وتعذيب قاس في رحلة اختطافه التي امتدت لاكثر من عام ونصف العام وهو يحتاج الان الى ادماجه في المجتمع وإلحاقه بالمدارس .وقال اوشام إن هذا الطفل أدلى بمعلومات هامة وخطيرة ذكر فيها مجموعة من الاشخاص بأسمائهم يجب ملاحقتهم ومحاسبتهم ومحاكمتهم علناً بالقانون ولكن إذا لم يطبق هذا القانون فإن شرق السودان سيصبح مسرحاً كبيراً للتنازع الاجتماعي . وتحاشى الأخ اوشام أن يذكر جهة محددة تمارس هذا النوع من الجرائم ولكنه أشار الى ان هناك عدة عناصر معلومة لدى المواطنين ولدى الشرطة فلابد ان يأخذ القانون مجراه. التجارة داخل الخرطوم وطبقاً لإفادات الأخ اوشام فإن الظاهرة يتسع مداها وتقتحم المدن الكبرى وبالاخص الخرطوم لتصبح سوقاً أخرى لبيع اللاجئين الأثيوبيين والاريتريين حيث يتم القبض عليهم في مناطق تواجدهم وتحديداً في منطقة الديم جنوبالخرطوم وعبر سماسرة محددين ليتم بيعهم الى شبكات إجرامية عالمية وحذّر اوشام من الوجود الاجنبي الكثيف داخل المدن السودانية بدون اوراق ثبوتية وقال يجب طردهم فوراً لأن وجودهم هذا يعتبر خصماً على المواطن السوداني في معاشه وخدماته وقال نحن كنواب سنقدم مسألة مستعجلة في هذه القضية للسيد وزير الداخلية فنحن مثلاً في كسلا نعاني من شح في الوقود والغاز والخدمات والغذاء بسبب ضغط اللاجئين والتهريب فهناك معسكرات للاجئين موجودة في كسلا منذ اكثر من «30» عاماً وبالتالي أصبحت مدناً سودانية ويجب على الحكومة مراجعة هذه المعسكرات ..لمعرفة هل فعلاً تنطبق عليها الشروط والاتفاقيات الدولية وعلى معتمدية اللاجئين القيام بكل واجباتها لحماية هؤلاء اللاجئين حتى لا يتعرضوا للاختطاف من قبل شبكات الاتجار بالبشر . تعاقدات سرية للتهريب وفي مدينة كسلا تتحدث تقارير خاصة عن انتعاش ظاهرة الاتجار بالبشر حتى ما عاد هناك حياء أو تحفظ في أن تناقش هذه الظاهرة كثقافة جديدة على المستوى العام كما ليست هناك أية جريرة في أن تنشأ شركات خاصة وافدة من بعض دول الجوار مثل اريتريا لممارسة هذا النوع من النشاط التجاري. وبعض المصادر الخاصة أبلغت «الإنتباهة» بأن هذه الشركات المهربة للبشر ربما وجدت السند والرعاية والغطاء حتى تتحرك في أمن وأمان باعتبار أن تجارة البشر تدر على أصحابها وحتى المتحالفين معها أموالاً كثيرة خاصة أن بعض التسريبات أشارت الى أن الأسابيع الماضية شهدت تحالفات وتعاقدات سرية داخل كسلا بين أطراف سودانية وأخرى اريترية لممارسة التهريب عبر الحدود لجنة خاصة لتقصي الحقائق يبدو أن الإخوة في مجلس الولايات انتبهوا مؤخراً لخطورة تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر حيث أبلغ «الإنتباهة» المهندس محمود محمد محمود رئيس لجنة التشريع والشؤون القانونية بمجلس الولايات أنهم شكلوا لجنة خاصة الأيام الفائتة لزيارة ولايات الشرق الثلاث «كسلا والبحر الأحمر والقضارف» السبت المقبل لمناقشة ثلاثة ملفات رئيسة أولها ملف الاتجار بالبشر في الشرق وملف صندوق إعمار الشرق والملف الثالث خاص بالحكم المحلي وبحسب إفادات المهندس محمود فإن الزيارة يقوم بها وفد رفيع من المجلس للوقوف ميدانياً على هذه القضايا . اختفاء «8» من طلاب المدارس وكشف محمود أن هناك تقارير مخيفة ظلت تصلهم من الشرق آخرها ما حدث الأسبوع الماضي حيث اختفى ثمانية أطفال بريفي كسلا عندما كانوا في طريقهم من المدرسة الى بيوتهم ولم يتم العثور عليهم حتى الآن ورجّح الأخ محمود أن يكون هؤلاء الأطفال قد وقعوا في شباك تجار البشر علماً بأن منطقة ريفي كسلا تعتبر من أكثر مناطق شرق السودان التي تنشط فيها عمليات الاختطاف. ولكن أخطر ما قاله الأخ محمود ل«الإنتباهة» إن الأسبوع الماضي عثرت شرطة البحر الأحمر على جثة شاب في أحد الأحياء الطرفية لمدينة بورتسودان وعندما تم تشريح الجثة اكتشف الطبيب أن الجثة منزوعة القلب والجهاز التناسلي. وعلى صعيد ثان عزا الناشط اوهاج ايماني ومنسق برامج المنظمات الوطنية في حديثه ل«الإنتباهة» اتساع نطاق ظاهرة الاتجار بالبشر الى تزايد معدلات تسلل وهروب الاريتريين الى داخل الحدود السودانية ما جعلهم عرضة لشبكات الإجرام مشيراً الى ان الاريتريين يفرون من الخدمة الوطنية إلى السودان الذي يعتبرونه معبراً لطلب اللجوء في بلدان أخرى .