هالة نصر الله: وضعت «الإنتباهة» يدها على «وثائق» مخالفات ادارية ومالية تصل قيمتها الى «ثلاثين مليار جنيه»، مصدرها «ولاية الجزيرة»، ومخالفاتها تمت برعاية ومباركة وزير المالية والاقتصاد والقوى العاملة بولاية الجزيرة، وهي تحمل توقيعه وختمه الشخصي، وتحكي اغرب مشاهد انواع استغلال النفوذ الوظيفي، والتحايل على القانون للتلاعب في العطاءات الانشائية، الخاصة بتأهيل وتحديث وتطوير منتجع غابة «ام بارونا» لجعله منتجعاً سياحياً عالمياً، وتسعى الولاية لاستكماله بوصفه مشروعاً أضحى من مقومات مهرجان السياحة والتسوق الذي تعتزم اقامته بحاضرتها «مدينة ود مدني». شركة وهمية وتكشف الوثائق التي حصلت عليها «الانتباهة»، ان وزارة المالية بولاية الجزيرة، ممثلة في وزير المالية والاقتصاد والقوى العاملة «الصديق الطيب علي» قامت في عام «2011»، بابرام عقد مع المدير العام لشركة« تجانكو» للاعمال المتقدمة المحدودة «التجاني عبد الوهاب حاج عثمان»، لتنفيذ مشروع منتجع غابة «أم بارونا» السياحي العالمي، ولم يتم طرح المشروع في عطاء ونشره للمنافسة بين المقاولين، بل تم التوقيع الاتفاق عليه مع «تجانكو» بواسطة وزير المالية في ورقة مروسة من مكتبه، ومختومة بختم الوزير الشخصي، والمفارقة هنا أنه لا يوجد عقد في تاريخ حكومة السودان يحمل ختم الوزير الشخصي فقط، لأن الشيء المتعارف عليه ان العقد يتم توقيعه من قبل مدير عام الوزارة، أو مدير عام ادارة التنمية وشاهدين، ويتم توثيقه من قبل المستشار القانوني للوزارة، لتتكشف الحقيقة بأن شركة «تجانكو» للأعمال المتقدمة المحدودة التي وقعت العقد لا تمتلك اية مقدرة مالية وليس لها ملف أعمال مشابهة قامت بتنفيذها من قبل، بل هي شركة وهمية لا وجود لها وليس لها عنوان، وتم تأسيسها خصيصاً لابرام هذا العقد، قبل أسبوع من تاريخ توقيعه، وصاحبها «التجاني عبد الوهاب حاج عثمان» موجود الآن باحد سجون العاصمة بمطالبة مالية تبلغ «ستين الف جنيه»، وتبين كل هذا بعد مرور شهرين من التوقيع، اذ لم تبدأ الشركة في التنفيذ، كما هو منصوص عليه في العقد الذي به شروط جزائية، واتضح ان الشركة غير مقتدرة مادياً وليست لها خبرة أو آليات، ولا يمكن ان تنفذ هذا المشروع، وهنا يبدأ فصل جديد من مسلسل الفساد هذا، اذ اخذ بعض العاملين في حكومة الولاية في البحث عن شركة للتعاقد معها للعمل مع هذه الشركة التى لا وجود لها لإنقاذ الموقف، ووقع الاختيار على «شركة تكنورايز للهندسة والمقاولات» التي يمتلكها المهندس «ياسر مصطفى أبو بكر» بمدينة مدني، ليصبح المهندس «ياسر» وشركته كبش فداء بعد ان اختفى صاحب شركة «تجانكو» «التجاني عبد الوهاب حاج عثمان»، من مسرح المشروع بعد أقل من شهر من الاتفاق مع شركة المهندس «ياسر» «تكنورايز». أوامر قبض ٭ ويسرد ياسر حكاية استدراجه للدخول في تعاقد مع هذه الشركة الذي انتهى بتكبده خسائر مالية بلغت «ملياراً واربعمائة الف جنيه» باعتراف والي الجزيرة نفسه، الذي وجه باعادة امواله بعد ان حفت اقدامه من طول البحث عن صاحب الشركة «التجاني عبد الوهاب حاج عثمان» المختفي الذي عثر عليه في سجون العاصمة متورطاً في قضية مالية اخرى، بجانب العديد من اوامر القبض الصادرة بحقه بسبب معاملات مالية. ٭ يقول المهندس «ياسر» صاحب شركة «تكنورايز» ل «الإنتباهة» عن كيفية دخوله في هذه المأساة التي الحقت به خسائر مالية فادحة: نما الى علمي بأن هنالك شركة اسمها «تجانكو» وقعت عقداً لعمل منتجع بمحمية «أم بارونا» بمبلغ ثلاثين مليار جنيه، والعقد به شروط جزائية توضح أن الشركة خلال شهرين من المفترض أن تبدأ العمل، وبما ان الشركة غير مقتدرة مادياً وليست لها خبرة أو آليات ولا يمكن ان تنفذ هذا المشروع، فقد أتصل بي د. سنهوري الذي تم التعاقد معه مديراً أثناء فترة التأهيل للمنتجع، وأوضح لي أن هنالك شركة وقعت مع حكومة الولاية عقداً لتنفيذ منتجع بمحمية «أم بارونا» بمبلغ ثلاثين مليار جنيه، وهم في حاجة لشركات للتعاقد معها لتنفيذ المشروع، وابديت موافقتي طالما أن الشركة تمتلك المقدرات لتنفيذ هذا المشروع، وتعرفت على مدير الشركة «التجاني» ومعه ثلاثة أشخاص واطلعوني على العقد، ووجدته مستوفياً كل شروط العقد القانوني وطلبوا مني العمل معهم، واكثر ما شد انتباهي وانا اعمل في هذا المجال منذ عام 1994م لم يقابلني عقد مكتمل الاركان مثل هذا العقد، غير انه مكتوب في ورقة مروسة من مكتب وزير المالية، والثابت لا يوجد عقد في تاريخ حكومة السودان يتضمن ختم الوزير الشخصي، لأن العقد يتم توقيعه من قبل مدير عام الوزارة أو مدير عام ادارة التنمية ومع شاهدين، ويتم توثيقه من قبل المستشار القانوني للوزارة، الا ان هذا العقد يحمل توقيع وزيرين وأربعة مديرين، وبهذا يكون العقد مكتملاً ويضمن لكل الأطراف حقوقهم، وحتى لو قام التيجاني بهضم حقي فالحكومة هي المسؤولة، وقبلت بتوقيع عقد معها لأن العقد يعطي الطرف الثاني الحق في استجلاب أية شركة او مؤسسة لمعاونته في العمل بعلم وموافقة الطرف الأول، وفي اجتماع بالموقع «أم بارونا» ابدى كل المديرين الذين يعرفونني معرفة شخصية نسبة لتعاملي معهم، امتعاضاً من الطرف الثاني التيجاني لأنه لم يباشر العمل لأكثر من شهر، وهو يعدهم ولم ينفذ، وكان هنالك توتر من قبلهم تجاه التيجاني، لكن بعد أن جئت ارتاحوا لأنهم يعرفونني ويعرفون امكانياتنا والانجازات التي نفذناها في الولاية، ورحبوا بي وسألوني متى سوف تبدأ العمل بالمشروع، واخبرتهم اني جئت لأسالهم عن التيجاني وهل أوقع معه العقد ام لا فأشاروا عليَّ بالموافقة، وبالفعل وقعت معه العقد بواسطة محامٍ، ونص العقد على ان يقوم باعطائي التمويل كل شهر على ان اقوم بتنفيذ الاعمال وعرضها عليه وتقديم فاتورة بها يوم «30» في الشهر، على ان يقوم باعطائي المال في مدة لا تتجاوز اليوم الربع في الشهر، وبعد توقيع العقد اعطاني شيك ضمان، وبدأت العمل فوراً، وبعد مرور شهر كنت قد أنجزت له أعمالاً تجاوزت قيمتها المليار وأربعمائة مليون جنيه، والاعمال دائماً في الولاية كانت تتم بشفافية تامة ومقسم عمل العطاءات فيها لأربع مجموعات لتنفيذه «المجموعة الأولى تستطيع تنفيذ أعمال بمبلغ مليار فما فوق، والثانية تنفذ أعمالاًَ اقل من مليار، والثالثة تنفذ أعمالاً بأقل من نصف مليار، والرابعة لا يتم اعطاؤها الا الاعمال المساعدة فقط، ولا يرسو لها عطاء بل يمكن أن تقوم بأعمال مساعدة»، وان تأتي الشركة التي يرسو عليها العطاء بكشف حساب من بنك وحركة الحساب خلال ستة أشهر ماضية، وحقيقة لم يساورني شك في ان هذه الشركة لم تمر بهذه الخطوات. معلومات مضللة ٭ وبعد شهر وخمسة أيام لم نستلم ما انفقناه، ووصلتني معلومات بأن هذه الشركة لديها عشرة ملايين دولار تعمل على استلامها، فبدأت أسأل عن هذه الشركة بالولاية واين يقع مقرها لأني متعاقد معها على مدة شهر لتنفيذ الأعمال ودفع الفواتير، فوجدت أن كل أرقام الهواتف التي أعطوني لها مغلقة حتى هاتف التيجاني، فذهبت لمدير الادارة العامة للمشروعات بالوزارة حسام الدين عمر الأمين الذي أفادني بأن مدير الشركة التيجاني مسافر خارج البلاد بدولة الصين، وأن لديه تمويلاً بمبلغ عشرة ملايين دولار هو بصدد جلبها، وأعطاني خلفية عن انها شركة ضخمة جداً، وألا أتخوف منها وعلى مواصلة عملي، وبالفعل باشرت عملي لمدة اسبوع آخر، وبعدها شاءت الأقدار أن أذهب للخرطوم لغرض آخر فساورني الشك وبحثت عن عنوان الشركة الموضح بالعقد، فوجدت أنه بمدينة الأزهري بالخرطوم، وذهبت للعنوان فوجدته عنواناً وهمياً عبارة عن منزل يتم تأجيره كمكاتب لشركات مختلفة لتنفذ به عمليات غير مشروعة، وسألت بالفعل وافادوني بأنه لا توجد شركة بهذا لاسم هنا، فاصبت بالاحباط. ويضيف ياسر قائلاً: بعدها قمت بملء شيك الضمان بالمبلغ الذي انفقته وهو مبلغ مليار وأربعمائة مليون جنيه وقدمته للبنك، فاتضح لي بعد الاستفسار أن الحساب تم فتحه قبل توقيع العقد بيومين، والحركة التي تمت في هذا الحساب لا تتجاوز مبلغ خمسة واربعين الف جنيه، وهي حركة كلها تمت في ثلاثة أو أربع أيام، وبعدها فتحت بلاغاً بالقسم الأوسط بود مدني، وبعدها تأكدت تماماً أن التيجاني لا يمتلك جوازاً ولم يذهب للصين من خلال بحثي في المطار والموانئ، وفي أثناء بحثي علمت أنه محبوس في السجن، وقمت بزيارته وعلمت أنه مفتوح ضده بلاغات أخرى، وأوضح لي أن مشكلته بسيطة وسوف يتم حلها، واردت أن أتعاون معه وأدفع ما عليه من مال، ولكن قبل أن أقم بذلك أتضح لي أن له بلاغات أخرى منتظرة خروجه ليتم القبض عليه، فتوقفت عن ذلك ورجعت لود مدني، لأن العقد الذي بيني وبينه مبرم في مدني والبنك في مدني. وذهبت لوزارة المالية وأخبرتهم بأن التيجاني قابع بالسجن، الا أني تفاجأت بأن الوزارة كلها ليس لها علم بعقد هذا المشروع ماعدا الوزير، ومن المعروف ان اية ادارة من ادارات وزارة المالية يجب ان تكون لها نسخة من هذا العقد مثل ادارة التنمية ومكتب المدير العام، الا انهم لم يجدوا له اية نسخة الا بمكتب الوزير، ولا يعلم به اي شخص الا الوزير وحسام، ولولا هذا العقد الصادر عن الوزارة لم اقم بابرام هذا العقد مع هذه الشركة، وذهبت للمدير العام بالوزارة ونفي لي علمه بالعقد. ويشير ياسر الى انه لم يجد نسخة من هذا العقد الا بادارة هيئة تطوير وتجميل مدينة ود مدني، وهذه الهيئة هي الطرف الأول بالعقد، وتم انشاء هذه الهيئة التي يترأسها الوالي شخصياً والأمين العام د. نجم الدين المبارك أحمد، وهو شخص لا نشك في نزاهته، وأفادني بأنه لم يوقع على هذا العقد لأنه وصلت اليه معلومات بأن شركة تجانكو شركة وهمية، وفي يوم توقيع العقد لم يحضر وأغلق هاتفه. تسوية بعدها جلس معي مدير عام هيئة تطوير أم بارونا د. نجم الدين مبارك ومدير الادارة الزراعية بمحلية ود مدني الكبرى ومديرة ادارة السياحة ومدير عام الغابات للتسوية، واتفقوا معي على التسوية بدفع نصف خسارتي، ومن المفترض تسليمي الشيك، وكان ذلك يوم 23/12/2012م، وقالوا انهم بصدد تقديم شكوى ضد التيجاني، وانتظرت تحرير الشيك ولكن دون جدوى، واخطرني نجم الدين بأن الوالي وجه بسداد كامل مبلغ التسوية فوراً، وهنالك خطاب يجب إرفاقه مع التسوية لتحرير شيك بالمبلغ، الا ان وزير المالية وجههم بتقديم شكوى ضد التيجاني ليتحصلوا منه المبالغ، وبعدها يتم السداد لي من المبلغ المسترد من الشكوى.