{ والناس كانوا يومئذٍ يشترون صحيفة «الأيام» ويتجهون مباشرة إلى كاريكاتير عز الدين وينفجرون بالضحك. { والسياسة كانت ملاكمة ممتعة بين السياسيين. { والناس يضحكون على الصراع السياسي يومئذٍ، لأن القطن كان يباع ووردي يغني.. وهلال مريخ كل أسبوع و.. { وفي الكاريكاتير أزهري يحمل كرباجاً ويقف خلف باب مكتبه وهو يقول لسكرتيره: دَخِل النواب المعترضين .. واحد.. واحد. { وفي الكاريكاتير أزهري الذي يحل الجمعية التأسيسية ويطرد الصادق.. ينظر من النافذة إلى الصادق. { والصادق يضرب طبلاً معلقاً في عنقه وهو يصرخ : أبو الزهور خرق الدستور. { وفي الكاريكاتير.. الصادق المهدي الملاكم الذي يجلس في زاوية من حلقة الملاكمة يصرح للصحافيين يقول: .. الدورة دي.. بعد ما رجع المدرب بتاعي.. راح أنتصر بالقاضية. { كان الهادي المهدي يعود بعد أن انشق عن الصادق بنصف الحزب. { ومشكلات «العيش» كانت هينة.. وفي الكاريكاتير بائعة الكسرة التي يهجرها الناس ويتجهون إلى مخابز الرغيف تنظر إلى المخبز وهي تقول : باكر يجي الخريف.. واللواري تقيف.. وينعدم الرغيف.. ويكترن علينا التعاريف.. قادر الله { كانت الحياة هي هذه. { وكان الصراع السياسي شيئاً بين السياسيين لا يبدل من الحياة شيئاً. { لكن الأمر الآن يختلف.. يختلف. { يختلف لأن الصراع يصبح الآن شيئاً بين «وجود السودان.. أو ذهابه». { والجملة هذه التي تبدو بعيدة، تجعلها مشاهد الصومال وغيره قريبة. «2» { بعد الستينيات مباشرة يبدأ الصراع العنيف بين السياسيين من هنا، والصراع العنيف بين السودان والتدخل الخارجي في السودان من هناك. { أيام النميري يبدأ الصراع الدموي. { والتدخل العالمي.. الذي كان حتى يومئذٍ يغطي وجهه.. يجعل القذافي يختطف الطائرة التي تحمل حكومة الشيوعيين قادمة للحكم بعد انقلاب هاشم العطا. { قبلها كانت السعودية تسقط طائرة البعثيين «وفد البعث العراقي قادماً لتثبيت أقدام انقلاب النميري الشيوعي». { والتدخل الأجنبي في السياسة السودانية ثابت دائم في الزمان كله. { وصحيفة تحمل صورة فوتغرافية للمفتش الإنجليزي في الأربعينيات وهو في طابور الجيش يصافح عبد اللَّه خليل الذي يقف على يساره إبراهيم عبود. { وعبد اللَّه خليل تقول الروايات.. إنه يقفز إلى السلطة بعد «مشاورات مصرية» في أديس أبابا. { وعبود له حكاية مماثلة.. وأصابع خارجية. { والتدخل الخارجي الذي كان ينطلق لصالح جهة ضد الآخرين في السودان يذهب إلى وجه آخر الآن وهدف آخر. { التدخل الآن يصبح شيئاً يجعل السودان دولة تديرها أمريكا وبريطانيا والسويد وكينيا ونيجيريا وأديس أبابا و.. { هذه هي أماكن المفاوضات. { والمفاوضات.. مع التمرد الذي تخلقه الدول هذه لإدارة السودان ..المفاوضات هذه تديرها الدول هذه. { والتدخل هذا الذي يبدو وكأنه يقف مع التمرد ضد الوطني.. هو في حقيقته عمل ضد السودان كله. «3» { واللقطة الفوتغراغية الثابتة تجعل العين تبصر ما لا تبصره وهي تشاهد ألف لقطة تنطق في فيلم سينمائي. { واللقطة الثابتة التي ترسم التحولات هي : متى ظهرت كل شخصية من الشخصيات التي تدير السودان اليوم؟ { الشخصيات هذه بدأية ظهور كل واحدة منها يصبح إشارة لبدأية مرحلة. { الترابي يظهر بعد ندوة أكتوبر «1964م». { وعلي عثمان يظهر وصحيفة «الأيام» تطلق صورة له والسيد يسن عمر الإمام يقدمه للنميري. { والبشير يظهر بعد معركة «ميوم» أول معركة تنتصر فيها القوات المسلحة بعد سلسلة موجعة من الهزائم. { وقرنق يظهر بعد هروبه عام 83م. { والصادق يظهر بعد زعامته تحت برلمان الشجرة {.... و... {الشخصيات تولد وكأنها تعد لزمان جديد ومرحلة جديدة. { ولما كان المجاهدون يقتحمون معسكرات قرنق كانوا يجدون، مواد الدعم الهائل هناك.. عند جنود قرنق وهي تحمل أعلام دول عربية. { وأعلام أمريكا والسويد و.. ومرحلة جديدة من التحول. { ولما ينهزم قرنق تذهب الجهات هذه لصناعة تمرد دارفور. { وعام 2006م نكتب عن «أربعة عشر قمراً من أقمار التجسس تخصصها أمريكا لدارفور». { في اليوم ذاته كان وفد دولة أجنبية يجلس في قاعة المفاوضات.. ومقعد فارغ بين مقاعد وفد حركة التمرد. { وفي اللحظة التالية.. شخصية من أعضاء الوفد الحكومي يترك مقعده هنا ويجلس على المقعد الفارغ بين صفوف وفد التمرد. { في اليوم ذاته كان ممثل الأممالمتحدة في الخرطوم حين تسأله إحدى الصحفيات عما قاله الأستاذ علي عثمان من أن الدولة تدفع نصف احتياجات دارفور يقول مباشرة إن : السيد نائب الرئيس يكذب!! { هذا يقوله مندوب الأممالمتحدة من مكتبه في الخرطوم. { .. هذا وهذا.. والأحزاب تنظر مثل الضأن، لأن الأحزاب تعتقد أن التدخل الخارجي يذهب لدعمها هي ضد الحزب الآخر. { بينما الأمر الآن هو .. استخدام كل شيء .. حتى بَلَه الأحزاب.. لهدم السودان { ولعلك تلاحظ أن الحديث عن خطاب الرئيس والحوار «يخنق» فجأة.. { .. لماذا؟ { للأسباب أعلاه.. وللمرحلة الجديدة.