روايات عديدة تروى عن مرضى السكر، الذين تلتهب جراحهم ويقرر لهم الأطباء بتر العضو، سواء كان إصبع القدم أو جزءاً كبيراً من القدم، لكنهم رفضوا البتر وسافروا خارج السودان ، وإلى القاهرة تحديداً في معظم الأحيان، حيث تمت معالجة الجرح رقم التهابه وتغيّر لونه، وعادوا معافين ولم يبتر أي من الأطراف التي أوصى الأطباء ببترها ، قد تكون بعض هذه الروايات غير صحيحة لكن لا أحسب أنها كلها كذلك ، خاصة وأنه لا يمكن أن تأتي كلها من فراغ ، وهناك تجربة حقيقية مع والد الزميل جعفر باعو، فقد شكا من مضاعفة مرض السكر فالتهب إصبع قدمه بسبب جرح، فقرر الطبيب بتره وتم ذلك فعلاً ، لكن عندما التهبت القدم وتغيّر لونها حتى اسودت، قرروا السفر به إلى القاهرة لإنقاذها من البتر، وهناك بدأ الأطباء علاجاً مكثفاً للقدم، ولم تمض فترة قصيرة حتى تماثل للشفاء ، وعاد بقدم سليمة ، لا شك أن الحدث يطرح عدة أسئلة مهمة ، هل تنقصنا في السودان الوسائل والآليات، التي تساعد على علاج مثل هذه الحالات ؟ وإذا كانت غير موجودة لماذا لا توفرها وزارة الصحة بدلاً من أن يفقد مرضانا أطرافهم دون سبب منطقي ؟ أما إذا كان الأمر يتعلق بكفاءة الأطباء لعلاج مثل تلك الحالات فلماذا لا يخضعون لتأهيل كاف ؟. إننا نثق بصفة عامة في كفاءة الطبيب السوداني، لكن في العقدين الأخرين حدثت العديد من المستجدات ، أولها فتح عدد من كليات الطب دون أن تتوفر المعينات الدراسية والتأهيلية ، كما أن مستوى طالب الطب لا ينفصل عن المستوى التعليمي في البلاد ، الذي بات يشوبه القصور ، والتي يلخصها خبراء التعليم في عدة مسببات، منها ضعف المعلم نفسه أو زيادة عدد تلاميذ الفصل في مدارس الأساس والثانوي في عدد من المدارس، بالإضافة إلى تأثير الظروف الاقتصادية سلباً على معنويات المعلم ، علاوة على خلل في بعض المناهج ، وفي الماضي كان المعلمون يتلقون تأهيلاً جيداً، وكانت وزارة التعليم توفد المشرفين التربويين إلى المدارس للوقوف على مستوى المعلم في قدرته على توصيل المادة للتلاميذ ، كما أن المناهج يضعها خبراء في المادة المحددة ولا تجاز إلا بعد تجارب عديدة في بخت الرضا . ولهذا فإن الطالب الذي يدخل كلية الطب يكون مستواه جزءاً من ذلك الإرث المنهجي المحكم ، وقبل حوالي شهرين قالت لي طبيبة شابة إن الأطباء الاختصاصيين «ما فاضين » لتوجيهنا حتى نستفيد من تجربتهم وعلمهم وقالت لي ضاحكة «نحن نستفيد كثيراً من الممرضين القدامى» . ولا شك أن هجرة الكفاءات الطبية أثّرت كثيراً على مستوى الخدمات الطبية التي تقدم للمريض، واحتل الأطباء المهاجرون في المهجر مكانة علمية، رفعت من اسم السودان كثيراً ، وأذكر أن طبيباً استشارياً كبيراً أصبح محل ثقة في المستشفى الحكومي الكبير، في ذلك البلد العربي قال لي إن الأطباء الجدد المهاجرين، لم يعد مستواهم العلمي كما كان سابقاً، وقال لي إن المستشفى كان في كثير من الأحيان يهم بفصلهم من العمل، لكني كنت أتدخل وأقول لهم إن ما ينقصهم هو الخبرة فقط، وٍسأقوم بنفسي على الإشراف عليهم . أخيراً لابد للتعليم العالي والمجلس الطبي وكليات الطب، أن يتفاكروا في كيفية ترقية مستوى طلاب الطب، وبحث السبل الناجعة لتأهيل الأطباء بتكلفة معقولة وليس استثمارية ، ولا شك أن المتضررين من بتر الأطراف هم عامة الشعب البسيط، وليس أثرياؤه أو كبار المسؤولين فهم يهرولون عادة للعلاج خارج البلاد، ومن يدري ربما لإزالة «لوزة»، وفي ظل ارتفاع فاتورة العلاج وعدم تفعيل خدمات التأمين الصحي، نخشى أن يعتمد المرضى على العشابين أو حلاق القرية، الذي تحوّل إلى طبيب واستخدم «زردية» لخلع الأضراس والحديدة المعكوفة لاستخراج اللوز.