«لا قضايا عالقة بين السودان وجنوب السودان» .. كلمات مقتضبة أدلى بها وزير الإعلام كمال عبيد لمصلحة المركز السودانى للخدمات الصحفية، وضع بها الرجل مسار علاقات الخرطوم مع جوبا فى مسار جديد باشارته إلى أن كل ما يتعلق بالقضايا بين البلدين الحكم فيه للقانون الدولي الذي يمايز بين علاقات الدول في كافة المحاور والقضايا، وبمعنى أوضح لم يعد هناك مجال للحديث عن قضايا عالقة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية .. وتأتي تلك الحالة التصعيدية في أعقاب الهجوم المتبادل بين الدولتين الذي دشنه السودان بتقدمه بشكوى رسمية السبت الماضي يتهم فيها دولة الجنوب بدعم المتمردين، ولم تكن تلك هي الشكوى الأولى، فقد سبقتها شكوى أخرى في أغسطس الماضي بحجة دعم دولة الجنوب للتمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولعل تصعيد الخرطوم وتسديدها ضربة قاضية للحركة الشعبية فى النيل الأزرق بتحرير الكرمك من قبضة الجيش الشعبي وراء كيل جوبا رزمة من الاتهامات تجاه الخرطوم، وجاء الاتهام قبل ثلاثة أيام من رئيس الدولة الجنوبية نفسه عندما اتهم سلفا كير ميارديت لدى مخاطبته حفل تخريج ضباط من جيش بلاده في ولاية شرق الاستوائية، الحكومة في الخرطوم بقصف منطقة «قفة» شمال شرق ولاية أعالي النيل وقتل مدنيين، إلى جانب اتهامها بالتوغل عسكرياً فى ثلاث مناطق جنوبية، ما دعا الولاياتالمتحدة للحديث عن ذلك القصف الذي نفته القوات المسلحة على لسان الناطق باسمها العقيد الصوارمي الذي أكد للصحافة أن القوات المسلحة لا علاقة لها إطلاقا بما يجرى في الجنوب، ونفى تماما قيامها بأي قصف لأي موقع بالدولة المجاورة. وقبل ذلك كان الرئيس البشير قد وجه اتهامات صريحة لدولة الجنوب من خلال حديثه في مدينة الكرمك عقب دحر كتائب الجيش الشعبي منها، في وقت نفى فيه سلفا كير ميارديت دعمه لمتمردي السودان، وقال في مؤتمر صحفي أمس الأول: «لا شأن لنا معهم سياسياً وعسكرياً». ويرى مراقبون أن التصعيد من الجانبين قد يؤدي إلى قيام حرب بين الدولتين، فهل بالفعل ستدور عجلة الحرب التي استمرت لعقود طويلة بين الشمال والجنوب قبل الانفصال؟ أولى الملفات المقلقة بين البلدين هو ملف التمرد هنا وهناك، ففي الوقت الذي تملك فيه الخرطوم أدلة دامغة على تورط جوبا في دعم حركات دارفور وقائدي التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق عبد العزيز الحلو ومالك عقار على التوالي من خلال تأكيدات للقيادي البارز بالحركة الشعبية دانيال كودي بأن الجيش الشعبي في الولايتين تحت إمرة سلفا كير ميارديت، ومن خلال السلاح الذي يدير به عقار والحلو الحرب ضد الخرطوم، ومن خلال احتضان جوبا لقيادات حركات دارفور، لم تقدم جوبا أي دليل يؤكد دعم الحكومة للمناوئين لنظام سلفا كير ميارديت الذين تمردوا عليه عقب انفضاض الانتخابات السابقة. وبعيداً عن الاتهامات هنا وهناك تبقى قضية أبيي من أهم القضايا، ويرى مراقبون أن اتهامات الجنوب الهدف منها إرغام السودان على التعامل بليونة في أبيي، وبمعنى أدق انسحاب القوات المسلحة، وهو ذات المطلب الذي ألقت به واشنطون على طاولة التفاوض بين البلدين .. لكن المحلل السياسي اللواء د. محمد العباس الأمين أشار إلى إمكانية قيام حرب جديدة من خلال توفر كل أدواتها، لكنه نبه إلى خطورة ذلك بقوله إن الجنرالات يعرفون متى تنطلق الرصاصة الأولى، ولكنهم لا يعرفون متى تنتهى الحرب. واستدل على ذلك باستمرار الحرب الإيرانية العراقية لثماني سنوات. ودق العباس ناقوس الخطر بالقول إن الجنوب يحاول أن يجر السودان إلى نفق مظلم. ويرى مراقبون أن التصعيد له علاقة بما يجري في المنطقة العربية بأن التغيير التالي يستهدف الحركات الإسلامية، وتأتي في مقدمتها الحركة الإسلامية في السودان، لجهة أن الحركة غير مرحب بها فى المنطقة، وطالما كل المسائل واردة وكل شيء متوقع كما تنبأ العباس، يبقى من الممكن الوقوف على دعوة سلفا كير بعدم طرح الخلافات أمام الجميع والبحث عن حل لها فيما بين الأطراف المعنية، وبين ثنايا حديث مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي أمام أنصار حزبه في كادوقلي أن الحوار مع الحركة لا يجدى إلا و «الكلاشنكوف» بجانبك!!