بينما طغت الأوضاع الداخلية الصعبة والمتفجرة الضاربة في حزب الأمة القومي في هذه الآونة على الاجتماع الاستثنائي الطارئ للهيئة المركزية لهذا الحزب الوطني العريق يومي الجمعة والسبت الماضيين، وذلك على النحو الذي جعل الانهماك والانشغال بوضعها الداخلي الحالي لا يعطي القدر الكافي الذي كان ينبغي أن يتجه إليه فيما يتعلق بالاعتناء بظاهرة الفساد الرسمي الفاضحة والصادمة التي صارت عارية وأضحت مثارة بحدة وشدة لافتة للرأي العام الداخلي والخارجي، فإن الذي لا شك فيه أن مثل هذا التجاهل من جانب الهيئة المركزية لحزب الأمة التي جاءت مناسبة انعقادها الطارئة والاستثنائية متزامنة مع الإثارة الراهنة لهذه الظاهرة المهلكة والمدمرة والمتمثلة في الممارسات الفاسدة والمفسدة المعلنة والصادمة والفاضحة، إنما هو أمر ينطوي على إشارة لها مغزى ودلالة ليست في صالح هذا الحزب الوطني العريق بالطبع. بينما كان ذلك بالنسبة لحزب الأمة القومي، فقد كان من اللافت من ناحية مقابلة أن الإشارة لهذه الظاهرة وإثارتها والوقوف عندها بقوة كانت حاضرة بشدة لدى حركة الإصلاح الآن المنشقة عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وذلك لدى انعقاد الاجتماع التأسيسي لهذه الحركة في أرض المعارض بضاحية بري في الخرطوم يوم أمس الأول السبت. وقد جاء هذا الموقف القوي واللافت للأنظار من جانب حركة الإصلاح الآن الناشئة رغم أن ردود الفعل ذات الطابع السياسي في التصدي الحالي للفساد لم تصل حتى الوقت الحالي إلى المستوى الذي كان من المرتجى أن ترقي إليه، حيث لم نلمس من أي حزب سياسي من القوى الحاكمة أو المعارضة أنه قد أعلن عن مواقف قاطعة ومحددة في التعبير عن الرؤية التي ينطلق منها فيما يتعلق بما جرى فضحه وتعريته وكشفه من ممارسات فاسدة وفاضحة وصادمة، مثلما جاءت متمثلة في التمظهرات الراهنة والمنفجرة والمتفجرة لهذه الظاهرة المهلكة والمدمرة، كما حدث على سبيل المثال في الحالة المتعلقة بما جرى من قبل المتهمين بممارسات فاسدة من العاملين في المكتب التنفيذي السري لوالي الخرطوم والأمانة العامة لرئاسة الحكومة في هذه الولاية المحورية والرئيسة والمهمة بالنسبة لوضعها كعاصمة قومية للبلاد بأسرها، ومقراً للحكومة الاتحادية وكل مؤسسات السلطة الاتحادية المهمة الأخرى في الدولة. وإضافة لذلك فلم نلمس أيضاً حتى هذه اللحظة أي مواقف معلنة بصفة قاطعة ومحددة ومعبرة عن الرؤية التي تنطلق منها القوى السياسية الحاكمة والمعارضة فيما يتعلق بالظاهرة الكبرى الأخرى للفساد، كما حدث فيما يتعلق بقضية شركة السودان للأقطان وشريكتها التابعة لها والمؤسسة من قبلها ممثلة في شركة مدكوت، وذلك بالرغم من كل ما حدث بشأن هذه القضية الكبرى وما جرى حولها من تطورات مذهلة أضحت فاضحة وصادمة وواضحة ولافتة للرأي الوطني بأسره. إن كل هذا صحيح، وسيبقى ويظل في حاجة عاجلة وضاغطة وملحة للتعجيل بالتصحيح من جانب المواقف المنتظرة والمأمولة والمنشودة والمطلوبة من قبل كل القوى السياسية الحاكمة، وتلك المعارضة والمناهضة كما كانت تسعى للحصول على الاحترام من جانب جماهير الشعب الكادحة والمكافحة والمناضلة والمجاهدة التي يعاني السواد الأعظم أوالغالبية العظمى منها من صعوبات معيشية مرهقة ومتزايدة ومتصاعدة.