إنها حالة اللاوزن واللا رائحة التي نعيش، حالة تضيع فيها فرحة الانتصارات الباهرة التي يحققها بواسل جيشنا وهم يقدمون لنا أعظم الهدايا وأنفسها وفي أعظم أيام الله التي هي أيام مغفرة ورحمة وعتق من النار!! تضيع كل هذه الأفراح بسبب ضنك العيش والجبايات وقلة الحيلة وضيق ذات اليد.. حالة وطننا اليوم لا تختلف عن حالة بقية أوطان العرب، التي فقدت القرار وباتت تبحث عمن يقرر لها مصيرها، المفكر هيكل قال إن ما يدور الآن هو سايكس بيكو جديدة وأضيف إلى ما قال إن سايكس بيكو القديمة قسمت دولة الخلافة على أساس عرقي «تركي عربي» مستخدمة شعارات تركية الفتاة والقومية العربية، وبثت فيها كل الأفكار من شيوعية وبعث وخلافه لتفتيت دولة الخلافة وقد كان لها ما أرادت ولكن الجديد في سايكس بيكو الجديدة، أنها أخذت كل دولة على حدة بمبدأ تقسم المقسم وتجزئة المجزَّأ.. الجامعة العربية وما تقوم به من مبادرات تجاه السودان من قبل وليبيا وسوريا واليمن من بعد، كل هذا لا يعدو كونه إبراء ذمة، وليت إبراء الذمة هذا كان المقصود به وجه الله أو حتى الشعوب، إنما كان إبراء ذمة أمام أمريكا.. وإلا فما المقصود من تسليم العراق للجلاد الأمريكي، وتسليم ليبيا لحلف الناتو والسودان لمصيره بعد بالموافقة على سايكس خاصة به كفتنة وتجزئة فيما عُرف بنيفاشا اتفاقية السلام الشامل. تلك الاتفاقية التي صوّرها من بصم عليها أنها الأشبه بصلح الحديبية. قرأنا في السيرة والتاريخ أن الناس كانوا ينتظرون نبي آخر الزمان ليخلصهم من الظلم والظلام الذي يعيشون فيه، وكان أول أولئك المنتظرين اليهود وأول من كفر هم ذات اليهود، واليوم ننتظر من؟.. بعث جديد؟ مستحيل إننا ويا للأسف ننتظر أمريكا لتفعل بنا ما فعلت بالعراق وأفغانستان وليبيا. حققنا في ليبيا ما خطّطناه دون أن نخسر جندياً واحداً هذا ما قاله أوباما لكن ليبيا خسرت خمسين ألفاً من خيرة شبابها ومئات الآلاف من الجرحى الميئوس من علاجهم، وأمريكا في نظر الكثيرين هي ذلك نبي آخر الزمان المخلِّص.. الأنظمة العربية وضعت نفسها موضعاً جعل العامة يفاضلون بينها وبين أمريكا ويفضلونها عليها، في قابلية للاستعمار غير مسبوقة، وقد عاش السودان تجربة مشابهة حيث كان كتشنر يُبحر بباخرته على طول نهر النيل، وجنوده يزيلون صخور الشلالات، بينما جنده على البر يشيدون السكة حديد.. وفي سابقة هي الأولى من نوعها يهرع كل من يعارض نظام الحكم إلى واشنطن القبلة الشيطانية الجديدة، الكل يطلب الود ويقدم كل غال حتى إن كان الوطن.. يريد أن تقدم لهم أمريكا العون المادي، وما دروا أن جمع الثروة والعض عليها بالنواجذ وليس إنفاقها هو شغل الاقتصاد العالمي الشاغل، أأنتم أقرب إلى أمريكا من إسبانيا التي اكتشفتها، أم أقرب منها إلى اليونان وإيطاليا والبرتغال تلك الدول التي تتضور جوعاً ويهددها شبح الانهيار.. أقول للأنظمة الفاسدة هل تستطيعون سحب أرصدتكم التي هي من دماء شعوبكم والاستفادة منها لصالح شعوبكم المتضورة جوعاً.؟ البعض في السودان تنبه أخيراً وأخذ ينادي بجمع الحركة الإسلامية مرة أخرى، ولكن هل يمكن يا ترى أن تعيد قطرات المطر التي نزلت على الأرض هل يمكن إعادتها للسحاب مرة أخرى.. «إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه ليس مني إلا من اغترف غرفة بيده» هذه الآية تبين مرحلة من مراحل التصفية الإلهية لمن يريدون الوصول إليه، وأي نهر أغرى بالشرب منه كنهر السلطة التي كرعوا فيها إلا قليلاً منهم. والبعض يحاول التهويل وإثبات أن زوال ما هو قائم بأنها النهاية، وأن أي تغيير سياسي سيؤدي إلى الدمار، وقد حمل لنا القرآن الكريم قصة تغيير سياسي كبير وشامل والمعركة بين المسلمين والكفار في أوجها. «وقتل داود جالوت وآتاه الله الحكمة والملك» ومنذ تلك اللحظة لم يرد اسم طالوت ذلك الملك الذي قاد المسلمين وعبر بهم كل الابتلاءات والتصفيات الإلهية حتى بلغت القلة منهم ساحة المعركة الفاصلة، وانتصر! إننا أمام جالوت العصر الذي يتضاءل أمامه جالوت التاريخ الذي عرفناه، وحالة الوطن اليوم أحوج ما تحتاج إليه هو الإيمان، أما من تولى فالمولى عز وجل أصدر حكمه بعد أن أنذره. «وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم» صدق الله العظيم