القرآن الكريم حوى قصصاً، لو تدبرناها وحللناها وأخذنا منها الدروس والعبر لما كان حالنا كما نعيش اليوم!!.. المسلمون ومنذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا لاقوا وما زالوا يلاقون المحن والعقبات وهم في طريقهم إلى ربهم!!.. كثيراً ما أقرأ هذه الآيات من سورة البقرة «ألَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ»!!.. بمقاييس عصرنا الحالي إن وصفنا هذه الحالة لجاز لنا أن نقول إنها انتفاضة إيمانية جاءت ممن؟.. من الملأ أي من العامة، أي أن القاعدة قد ملت من نظام حكم سامهم سوء العذاب!!.. والمخاطب هنا نبي وليس إنساناً عادياً ولكن لم تتوفر فيه صفات القيادة لذلك كانت المطالبة لذلك النبي بأن يسأل المولى عز وجل عمن يصلح للقيادة!!.. أسباب الثورة متوفرة، الاضطهاد والإخراج من الديار وسبي النساء وقتل الرجال وغيرها لكن الغائب المطلوب هو الملك الذي يقود المعركة، ويعرف إستراتيجيات الحرب وكيف يمكن التحضير لها والإعداد والتدريب!!.. وكانت المطالبة بقائد.. فلو انتفضت الجماهير بدون قيادة رغم أنها تجاهد في سبيل الله تذهب ريحها، ولأرسل إليها الطاغية جالوت أجهزة قمعه من احتياطي مركزي وقوات خاصة وشبيحة وبلطجية وأخمد الانتفاضة الإيمانية في لحظات معدودة!!.. عاد إليهم النبي وأعلن عليهم أن الله قد اصطفى عليهم طالوت ملكاً.. «اصطفى» تعبير قرآني دقيق والاصطفاء يتم بعد تحليل دقيق ولا يتم بحسب الرتبة أو الأقدمية!!.. الكثير ممن أعلونها للنبي «هي لله» وطالبوا بملك قائد، لم يدركوا دقة الاختيار التي بموجبها تم اصطفاء طالوت ملكًا وأرادوه ملكًا بمواصفاتهم وهي المال والجاه..!! ويبدو ومنذ تلك اللحظة قبل عشرات الآلاف من السنين أن هذا المفهوم يسود حتى اليوم فما إن ينهار نظام حتى تظهر الحسابات المليارية في بنوك سويسرا ودبي وكوالالامبور وحتى ڤينا!!.. ورغم أن طالوت كانت له آية تؤكد ملكه أن يأتهم التابوت لتطمئن قلوبهم وفيه بقية مما ترك آل موسى وهارون كل هذا تحمله الملائكة، أبعد هذا كله يا من أعلنتموها هي لله لا تصدقون وقد نعذرهم فإن توابيتهم التي يؤمنون بها لا يراها أحد فهي ذات أرقام سرية وشفرات.. لا يرغب أيٌ منهم كشفها أو إبرازها!!.. بعد اصطفاء طالوت زاده المولى عز وجل بسطة في العقل والجسم، والقرآن يستخدم دائماً تعابير غاية في الدقة.. انظر إلى بسطة هذه لو تمعَّنت فيها ودرستها لوجدت أنها تحوي معنى واسعاً ورحيباً!!.. بسطة العقل لبناء إستراتيجيات الإعداد والقتال ووضع الخطط العسكرية الناجعة لدحر العدو الرهيب، وبسطة الجسم لتحمل المشاق فالحرب كانت تعتمد في ذلك الوقت على أمرين الإعداد العسكري والتخطيط، والقوة البدنية للتنفيذ!!.. ولما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم الذين تولوا منذ البداية كما هو حال اليوم كانوا مجرد «هتيفة» ما كانوا يظنون أن يصبح الأمر جدياً لذا ابتعدوا منذ اللحظات الأولى!!.. من واصل مع طالوت كانت لا تزال فيه بقية من إيمان إلى أن وصلوا إلى النهر «إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي..» أي نهر يغري بالشرب منه كنهر السلطة إنه أكثر الأنهار إغراءً، فشربوا إلا قليلاً منهم!!.. الذين شربوا من النهر ترهلت أجسادهم وأصابهم الخور وخرجوا من المعركة وهي على وشك الاندلاع، لا أدري ماذا فعلوا بعد ذلك، ففي تلك الأيام، لم تكن مشافي عمان وألمانيا قد فتحت أبوابها بعدها ليقوموا بعمليات «شيك أب»!!.. رغم كل هذا أعتقد أن مهمة طالوت كانت سهلة ولم تكن بالصعبة، ولو كان طالوت يعيش أيامنا هذه، لحمل هم المخذلين، فهؤلاء تساقطوا في مراحل التصفيات التي مروا بها وانتهى دورهم بعد كل مرحلة تصفية!!.. أما اليوم فلا تصفيات ولا يحزنون والذي يتخاذل هو صاحب الرأي والشورى وهو الذي يقول ويأمر!!.. والمعركة على الأبواب وقد برز الجنود لبعضهم البعض حينها هتف المخذِّلون: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده.. قمة التخاذل.. وقالها كذلك مخذِّلو اليوم لا طاقة لنا بأمريكا وكروزها!!.. ولكن المولى عز وجل يصطفي من يذهب إليه كما يصطفي للنبوة والقيادة والملك قلة من القلة التي بقيت وهم يظنون حقاً أنهم ملاقو الله، اتجهت إليه ودعته بخشوع.. افرغ علينا صبراً.. وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين!!.. وفي دعائهم هذا قالوا جملة كثيراً ما توقفت عندها: «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّه» كم هذه تقريرية تقر بأن الفئة القليلة التي تؤمن بالله هي المنتصرة دائماً، وكم هذه لم ترد إلا لتقرير حدوث غلبة القلة على الكثرة في سوابق كثيرة، والجملة جاءت بفعل الماضي «غلبت» أي أن الأمر حدث قبل ذلك ومرات عديدة وليست واحدة!!.. ودارت المعركة قلة أمام كثرة، وقد أطلق بعض المفسرين عليها اسم بدر الأولى للتشابه الكبير بينهما!!.. والمعركة دائرة حدث تغيير سياسي جوهري «وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْحِكْمَةَ وَالْمُلْكَ» داود على نبينا وعليه والصلاة والسلام لم يقُم باقتلاع الحكم عنوة كما يفعل البعض هذه الأيام، لم يستغل نقطة ضعف استثمرها للاستيلاء على الحكم، فالذين خاضوا المعركة كانوا خياراً من خيار، لكن قدر الله أن يكون طالوت هو الملك الذي يقود إلى المعركة، وكان والله أعلم أن اقتصر دوره على ذلك، وفي خضم المعركة ظهرت قيادات ومقدرات أخرى تبدت في داود عليه السلام الذي قتل الطاغية فبدأ عهد قيادة جديدة والمعركة لم تنتهِ بعد!! .. لو طرح هذا الأمر في أي بلد عربي أو مسلم لتصدى للأمر المخذلون وقالوا في ثقة تامة «ما وكته».. ومتى هذا الوقت إن كنتم صادقين!!.. ليس هناك وقت محدد يمكن إجراء التغيير فيه، فهو ليس كالحصاد مربوط بميقات، أعظم خلق الله عليه الصلاة والسلام ذهبت روحه الطاهرة إلى بارئها وما هي إلا ساعة زمن تولى الأمر فيها خليله ورفيقه في الدنيا والآخرة أبو بكر عليه رضوان الله.!! بعد أبي بكر تولى الأمر ثلاثة من أعز ما خلق الله الفاروق، وذو النورين، والإمام علي ثلاثتهم عليهم رضوان الله اغتيلوا اغتيالاً سياسياً ورغم ذلك لم تهتز دولة الخلافة بل بقيت أركانها ثابتة راسخة رسوخ الجبال!!.. فالتغيير غير مربوط بزمن إنما تفرضه الوقائع على الأرض.