كما ورد في الصحف الصادرة بالخرطوم أمس، فقد أدلى وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني يوسف عبد الله الحسن بتصريح صحفي أكد فيه أن الوزارة حريصة على التعاطي بمسؤولية في الحرص على واجب ولايتها على المال العام، مشيراً إلى أن الصرف على الموازنة العامة للدولة يتم وفقاً للاعتمادات المجازة من الأجهزة التشريعية والتنفيذية بعد إجراءات معلومة وشفافية لا يمكن إنكارها، مشدداً على أنها لا تتعرض إلى أية تدخلات أو ضغوط من أية جهة في ممارسة عملها، وواصفاً أي حديث غير ذلك بالمجافي للحقيقة على حسب تعبيره. وبشأن وضعية القوات النظامية في الموازنة، وبنود الإنفاق عليها في مشروعاتها المختلفة ذكر الوكيل أن تلك المؤسسات تنال حصتها ونصيبها وفقاً لما هو مقرر لها في الاعتمادات المجازة وذلك بما يمكنها من تنفيذ الواجبات الموكلة لها، مؤكداً أن المالية لا تمنح أية جهة استثناءات أو وضعية خاصة مخالفة لقانون الموازنة العامة المجازة للدولة، موضحاً أن التقارير الدورية التي تقدمها الوزارة إلى الأجهزة المعنية تشهد على ذلك إضافة إلى تقارير المراجع العام حول الأداء الوزاري. وبالنظر إلى الحقيقة المتمثلة في أن التصريح المشار إليه والذي أدلى به وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني كما ورد في الصحف الصادرة بالخرطوم أمس قد جاء بعد البيان الذي أدلى به وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين مؤخراً في المجلس الوطني، واشتكى فيه من عدم قدرة الوزارة على توفير المتطلبات المالية اللازمة للإنفاق على مشروعاتها، وتطوير أدائها، وتحسين أوضاع الجنود والضباط العاملين فيها، إضافة لمقابلة المتطلبات اللازمة لتمكين الوزارة من الاستمرار في تجديد التجنيد، وذلك نظراً للوضع المالي الحالي الذي تعاني منه وزارة المالية والاقتصاد الوطني. وكذلك بالنظر إلى أن هذا التصريح قد جاء أيضاً بعد فترة وجيزة من الإفادة اللافتة والمثيرة التي أدلى بها المديرالعام السابق لجهاز الأمن الوطني والمخابرات الفريق أول صلاح عبد الله «قوش» أثناء المناقشة البرلمانية الساخنة والصاخبة التي دارت للمرة الأولى على هذا النحو خلال الأيام القليلة المنصرمة حول ما ورد في التقرير السنوي للمراجع العام كما أشرنا لذلك أمس، حيث ذكر صلاح قوش في تلك الإفادة أن أحد مؤشرات الاختلالات الكبيرة التي يرى أنها بحاجة لمراجعة ومعالجة ناجعة في سياق المسعى الحالي لما يسمى الوثبة الوطنية المزمعة والمطروحة للحوار الوطني من جانب السلطة الحاكمة القائمة، تتمثل في أن الأجهزة والمؤسسات الأمنية والشرطية والعسكرية تصرف على المباني الخاصة بها في الإنشاء والتجهيز ما يقدر بحوالي «2.5» مليار دولار سنوياً، بينما تعاني الموازنة العامة للدولة من عجز سنوي يقدر بحوالي «1.5» مليار دولار في الوقت الحالي. نظراً لذلك كله، فإن السؤال الذي يطرح ويفرض نفسه فيما يتعلق بالمغزى والدلالة الكامنة في التصريح المشار إليه والذي أدلى به وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني كما ورد في الصحف الصادرة بالخرطوم أمس سيكون هو: هل أرادت الوزارة أن ترد بهذا على التصريحين المنسوبين لكل من وزير الدفاع والمدير العام السابق لجهاز الأمن الوطني والمخابرات بتصريح واحد، وذلك على النحو الذي ينطبق عليه المثل فيما يتعلق بضرب عصفورين بحجر واحد، أم أن التصريح المشار إليه إنما جاء في الحقيقة لمحاولة قد تكون متأخرة للرد على ما ورد في الإفادة اللافته والمثيرة التي أدلى بها المدير العام السابق لجهاز الأمن الوطني والمخابرات، وهو الأمر الذي نرى أنه قد يكون هو الأرجح، وخاصة بعدما أشرنا إليه أمس بشأن وصف د. أمين حسن عمر الرمز القيادي للنخبة السودانية في الحركة الإسلامية الحديثة والمعاصرة والمؤسسة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم بسيطرة وهيمنة منفردة منذ أن وصلت هذه الحركة لسدة مقاليد السلطة الراهنة بانقلاب ثوري مدني وعسكري قامت به في العام 1989م واستمر حتى الآن، فقد وصف د. أمين التصريح الذي أدلى به الفريق أول صلاح قوش على النحو المشار إليه أعلاه بأنه مجرد تعبير عن الغبن الشخصي وتصفية الحسابات الجارية في أوساط ودوائر النخبة الحاكمة.