في الإفادة اللافتة والمثيرة التي أدلى بها الرئيس السابق لجهاز الأمن الوطني الفريق أول صلاح قوش، أثناء المناقشة البرلمانية التي جاءت صاخبة خلال الأيام القليلة المنصرمة، وعلى نحو يحدث للمرة الأولى حول ما ورد في التقرير السنوي للمراجع العام بشأن الانتهاكات والتجاوزات والممارسات الفاسدة والمنحرفة المرتكبة في المعاملات المتعلقة بالأموال العامة كما يتم انتاجها من جانب الجهات الرسمية في الحكومة والمؤسسات والأجهزة الممثلة للدولة والمعبرة عنها والمتمتعة بما لديها من سلطات وصلاحيات قانونية ولائحية ودستورية .. ذكر قوش أن الأثر الأكبر والأخطر الذي يدل على الخلل في هذا الصدد وبهذا الخصوص يتمثل ويتجسد ويقتصر وينحصر ويتجذر على سبيل المثال في أن الأجهزة الأمنية والشرطية والعسكرية ظلت تصرف ما يُقدر بحوالي اثنين ونصف مليار دولار في العام على إنشاء المباني الخاصة بها، بينما تعاني الموازنة السنوية للدولة من عجز سنوي يصل إلى ما يقدر بحوالي مليار ونصف مليار دولار. وفي سياق هذا الإطار البعيد المدى للرؤية العميقة التي انطلق منها وارتكز واستند إليها وأشار إليها في الإفادة المثيرة التي أدلى بها، أوضح قوش أنه أراد بهذا أن يلفت الأنظار بقليل من الصراحة في هذه المرحلة إلى الحقيقة المتمثلة في أن الآثار السالبة والمهلكة والمدمرة الناجمة عن التقديرات المختلة والتصرفات السيئة والممارسات الخاطئة وغير المدروسة بدقة قائمة على انتهاج الحكمة ومعتمدة على الخبرة والكفاءة المقتدرة والمدركة للأبعاد الشاملة والمتكاملة والبعيدة المدى لما تقوم به وتُقدم عليه من حيث تأثيره وما ينطوي عليه وينجم عنه وينتج منه هي الأمر المهم والجانب الأهم الذي يجب أن يكون محلاً للتركيز لدى النظر في الخلل والطيش والعجز والفشل الذي اعترى التجربة الراهنة للسلطة الحاكمة القائمة منذ وصول النخبة الممثلة للحركة الإسلامية الحديثة والمعاصرة إلى سُدة مقاليد الحكم في السودان بانقلاب ثوري مدني وعسكري قامت به في العام 1989 وظلت مستمرة حتى الآن. ولكن رغم ما هو واضح فيما يتعلق بالأبعاد الكامنة في هذه الإفادة المثيرة والعميقة واللافتة وذات المغزى والدلالة البالغة والبعيدة المدى في ما تنطوي عليه من أهداف تشير إليها وتدعو إلى السعي من أجلها ضمن المسعى الحالي لما يُسمى بالوثبة المزمعة والمنتظرة والناشطة في ما ترمي له من مراجعة ومعالجة ناجعة للأخطاء الفادحة والفاضحة والصارخة والاختلاسات الكبيرة الشاخصة والناجمة والناتجة عن تقديرات قاصرة وتصرفات وممارسات فاسدة تم ارتكابها والانزلاق والانحراف والانجراف إليها والسقوط فيها أثناء الفترة الطويلة الماضية على هذه التجربة الممتدة منذ تولي النخبة السودانية للحركة الإسلامية الحديثة والمعاصرة لسُدة مقاليد الحكم والسلطة بسيطرة وهمينة منفردة، فقد جاء أول رد فعل من رمز ممثل ومعبر عن هذه النخبة في الإفادة التي أدلى بها د. أمين حسن عمر في تعليقه عليها لدى مشاركته في برنامج «حتى تتضح الصورة» التلفزيوني بقناة النيل الأزرق مساء أمس الأول الثلاثاء، حيث لم ير د. أمين في ما أشار له صلاح قوش، سوى أنه مجرد تصفية للحسابات وتنفيس عن الغُبن على حسب التعبير المنسوب له كما ورد في الصحف الصادرة أمس، وسنعود لذلك غداً.