كلام تير/ محمد علي التوم من الله: لا توجد بالقرى «صالات أفراح» كالتي بالعواصم لسبب بسيط، هو أن القرية في حالة الفرح تنقلب كلها لصالة أفراح. وصالات الافراح عندنا بعاصمتنا القومية وبالمدن الكبرى، كانت تعد بأصابع اليد حتى عهد قريب. ولكنها اليوم بدت وكأنها تخطط لأن تجفف البيوت والأحياء من مظاهر الفرح.. فقد شاركت احتفالات التخرج برياض الأطفال كظاهرة من الظواهر الدخيلة التي تسخر على من يدعي أن «حالة المعيشة بقت صعبة»، والقرى لها الفضل في المحافظة على ما تبقى من نسيج مكارم العادات الاصيلة. دخلنا قرية «تنوب» بحافلة خاصة قادمين اليها من الخرطوم لحضور حفل زواج ابننا مصعب على التوم يوم الخميس الفائت، وكانت الحافلة وهي تدخل القرية عبارة عن معزوفة من نغم الابتهاج والتبريكات للعروسين وأهل القرية. اذاًَ فالحضور الذين هم أكثرهم من أهل العريس والأصدقاء وهم ضيوف القرية كلها، التي هى «صالة الفرح الكبير» ولم نكن وحدنا. سبقتنا حافلات وعربات خاصة وأخرى عامة من القرى القريبة والبعيدة والمدن والعاصمة، وبالرغم من هذا العدد الكبير فقد ضمته حنية القرية «التنوبية» وكان كل شيء معداً بدقة وتلقائية. نزل الرجال الكبار في ديوان شيخ الدين احمد البشير وهو بمثابة «صالة كبار الزوار»، وكان أنيقاً كأنما أعده ليكون دائماً مستعداً لمثل هذه المناسبات، وتفرق الشباب في ضيافة شباب القرية فابتلعتهم القرية ولا ندري أين ذهبوا، أما النساء فقد وسعتهن الغرف المتعددة الكثيرة حول «بيت العرس». ثم كانت موائد الضيافة الكريمة احلى ما فيها النكات والقفشات والتعارف والذكريات التي تنسي الضيوف هموماً تركوها خلفهم، ولا يشعر الفرد منهم بأنه شبع إلا حينما تتوقف يده «أوتوماتيكياً».. بالرغم من ذلك تسمع من يحثه: «ياخ صلي علي النبي.. عليك الله أكل». وكالعادة في القرى فإن مكان «العقد» هو حرم المسجد المبارك عقب صلاة الجمعة.. وكالعادة في القرى فإن صيوان الضيافة لجميع الرجال هو ساحة المسجد تلك كانت «الصالة الكبرى». إن الذكريات الجميلة التي تركتها المناسبة لا ينساها حتى الاطفال، الذين كدنا ان ننسى بعضهم وقد اصروا على وداع الترعة ومشهد الكنار وما حوله وليتهم شاهدوه حينما كان مشروع الجزيرة في أيام «عرسه» الأولى، ومياهه تجرية وكناره يغرد. ودعناها والصديق الصدوق مؤذن الجامع المزارع الناجح «عبد الله ود الأطرش» يسابق العربة ليهدي لنا «كبكبي» من إنتاج حواشته. وقلت له شاكراً ليتني تركت ابنتي الصغيرة تحقق رغبتها في ان تحلب بقرته الحنونة. فهي لأول مرة تتذوق طعم اللبن الطبيعي بعد ان ارهقها لبن البدرة الخرطومي. وداعاً تنوب.. صالة الأفراح الكبرى، والف مبروك للعروسين ولأهل القرية اجمعين.