لا عجب أن يُخرج الله تبارك وتعالى من صلب التكالب والمكر السيئ فتوحات وانتصارات ما كانت لتتحقق لو أنفقنا ما في الأرض جميعًا في سبيل تحقيقها... وإن حسبنا انه أُريد بنا شر قبل أن يجعل الله منه خيرًا كثيرًا، فلا بد من توبة تعيدنا إلى رشدنا لنزداد توكلاً عليه سبحانه جل في علاه... هي دعوة إذن... للتأمل في أقدار الله بعين اليقين والرضا، منطلقين من نعمة تحرير الكرمك ولولا تمرد عقار الذي كنا نحسبه شراً... لما أُقيمت الصلاة فيها تقرباً إلى الله، والصلاة في الكرمك لها طعمها الخاص، لكونها بداية الطريق لإقامة الصلاة في بيت المقدس ذلك لأن العدو واحد، وعرمان الذي يؤلمه رفع الأذان في الكرمك، يطربنا حديثه عن الصلاة على جماجم المسلمين أمثاله وأمثال عقار الذي كان آخر كلامه: إنه إن كان على باطل فليُنزل الله عليه آية... ثم نستقبل العيد وقد تعلقت القلوب بأستار الكعبة، وعند الكعبة يرفع رجل نحسبه من الصالحين، يرفع كلتا يديه ويدعو على إبليس عليه لعائن الله تتنزل وأعوانه من بني البشر كالمتمرد عقار الذي قال إن ربه هو ذاك الجبل، ومن شدة ورع الرجل وإلحاحه في الدعاء، بتنا نخشى على عقار من لعنة تُصيبه وهو غارق في هلسه بمدينة الرنك وإن كانت ليست هناك لعنة أكثر من فراره المذل بعد ساعات من تصريحاته التي تناقلتها صحيفة حريات «الورّاقية» بأنه يسيطر على ثمانين بالمائة من النيل الأزرق... وفي هذه الأثناء كان التحذير الأخير من الكرمك، أن يا جوبا استعدي ليوم كيوم الكرمك هذا... ثم إن جوبا يزعجها أنه انفضح أمرها وبانت سوءته بعد أن أعدت الجند من الجنوبيين أصحاب السحنات المميَّزة وذلك لاحتلال تلودي صباح أول أيام العيد لكنهم تخطفتهم يقظة جند الله ثم تعاد الكرة ليلقوا نفس مصير من سبقوهم ويضافوا إلى قائمة الأدلة التي تؤكد دعم جوبا لتمرد جنوب كردفان والنيل الأزرق... وجوبا يفزعها كذلك ازدياد رقعة الأراضي المحررة من قبل الثوار الذين يلحق بهم الجنرال ديفيد قاي لكونها أنفقت جل مالها لدعم التمرد ضد السودان من مال التنمية ما أدى لثورة شعبية ضد الحكومة زادت من شكيمة الثوار، وقد أعلن برلمان الجنوب ذلك صراحةً... الأمر الذي دفع الدولة الوليدة لمزيد من التخبط حيث أعلن رئيسها أن القوات الحكومية تدعم الثوار كما ادّعى أن الطيران الحكومي قام بقصف لاجئين داخل أراضي الجنوب في حين إن الواقع يقول إن الذين قصفوا هم المواطنون الرافضون لسياسة حكومة الجنوب والذين طحنتهم المجاعة وشُرِّدوا من قراهم نتيجة لمعارك الجيش الشعبي ضد الثوار وتم ضربهم بسلاح الجو التابع للجيش الشعبي بغية إثنائهم عن الانضمام للثوار، والغريب أن حكومة الجنوب لم تكن تتوقع أن هذيانها هذا يمكن أن يخطف بهذه السرعة ويصبح نقطة ينطلق منها المجتمع الدولي لمحاولة فرض حظر طيران جوي على سماء مناطق التمرد بدعاوى حماية المدنيين، لكن الهدف من وراء ذلك يكمن في إعطاء فرصة للمتمردين على الدولة لإعادة ترتيب صفوفهم ومن ثم الزحف نحو تحقيق غاية بعيدة المنال!! نعم... فإن أقدار الله هي نوافذ للتأمل وتثبيت لليقين بأن أمر المؤمن كله خير، والفتوحات التي جاءت من أصلاب التكالب والمكر السيئ، يجب أن نتخذ منها «مناعة» للقادم من الابتلاءات والإحن... وإن كرهنا النظر لسوزان رايس وهي تعلن أن السودان قصف معسكرات اللاجئين بجمهورية جنوب السودان... أو قرأنا أن الأُمم المتحدة تحمِّل الخرطوم مسؤولية قصف مخيَّم للاجئين بجنوب السودان... أو لفت انتباهنا تصريح لمنظمة العفو الدولية أنه تم اعتقال أكثر من مائة معارض في السودان وتعذيبهم ... أو طالعنا أن «الحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة تحرير السودان بجناحيها وحركة العدل والمساواة» اتفقوا على إسقاط النظام بكافة الوسائل المتاحة... أو استمعنا لتصريح من ما يسمى بجماعة نشطاء للمراقبة عبر الأقمار الصناعية أن السودان يحدث قواعد جوية في ولاية النيل الازرق... وإن تزاحمت أمامنا كل هذه الابتلاءات، فيجب أن نستشعر عظمة الفتح، ونستعد للصلاة في القدس!!