ما قام به جهاز الأمن الوطني من فتح بلاغات جنائية ضد السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وزعيم الأنصار لا يخرج عن صراع الإرادات حينما تتنافس وتتزاحم في ميدان من الميادين، وغير بعيد عن الأذهان ما طالب به الدكتور غازي صلاح الدين العتباني زعيم حركة الإصلاح الآن في لقاء المائدة المستديرة مع رئيس الجمهورية بضرورة إبعاد الأجهزة الأمنية عن العمل السياسي وترك السياسة والحوار للأحزاب، كما أن الدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي ((وهو قارئ جيد للساحة السياسة)) عندما رشح رئيس الجمهورية لرئاسة آلية الحوار لم يكن ذلك قطعاً على طريق أمام السيد الصادق المهدي(( من أن يكون رئيساً لهذه الآلية)) كما ذهب البعض في تأوليهم لما عناه الدكتور الترابي ((من ذلك المقترح)) والدكتور الترابي ولإدراكه منذ البداية أن قطار الحوار لن ينطلق إلا إذا قاده رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى والرئيس هو أيضاً بما ذهب إلى الصادق المهدي من مفهوم وضرب مثلاً في هذا الصدد بنعامة المك أو سخلة المك فهو أي الرئيس هو ((المك)) صاحب النعامة التي عناها الصادق المهدي وهي في هذه الحالة جهاز الأمن الوطني والمخابرات فإن انطلاقة الحوار لا بد أن تكون على يد الممسك بزمام الأمور حتى يمضي الحوار إلى الأمام وإلا لا مستقبل لحوار لا يقوده رئيس الجمهورية بنفسه في هذه المرحلة والتعقيدات التي تواجه الحوار من جانب الحزب الحاكم قبل المعارضة، ولعل تجربة الدكتور الترابي منذ المفاصلة مع المؤتمر الوطني جعلته يدرك حقيقة وطريقة التعامل مع القوى الرافضة للانفتاح والإصلاح في الإنقاذ الوطني وقد كلفه ذلك سنوات في السجون ومواجهة الاعتقال، وهذه القوة ربما كانت الأجهزة الأمنية أو ما أسماه الصادق المهدي ((صقور النظام )) التي قال إنها وراء اعتقاله. وهذه الصقور لا ترفض الحوار فقط ولكنها تعول على قوات الدعم السريع في حسم التمرد عسكرياً وبالتالي تحقيق السلام أكثر من تعويلها على الحوار الوطني، فإذا تمكنت قوات الدعم السريع من دخول كاودا والقضاء على آخر معاقل الجبهة الثورية في جنوب كردفان وتمكنت من تدمير الحركات المسلحة في دارفور كما أعلنت بالفعل أنها قد كبدت العدل والمساواة خسائر مادية وبشرية موجعة وضربت بقية الحركات في شرق جبل مرة وألحقت بها خسائر فادحة.. وهذا القول وهذه الحملة الإعلامية من قبل الرافضين للحوار يعني أن ((المعارضة المدنية)) مقدور عليها ولو بالعودة لفتح السجون من جديد كما حدث مع الصادق المهدي... والخطأ الذي وقع فيه الإمام الصادق المهدي هو إصداره فاتورة الحوار من جانب واحد ومحاولته اللعب بالورقة السياسية في مواجهة الورقة الأمنية وترتيب بيته الداخلي وحزبه على هذا الأساس ((عندما أبعد)) الأمين العام لحزب الأمة الدكتور إبراهيم الأمين الذي كان يتبنى رؤية تيار الشباب داخل حزب الأمة، وهو تيار رافض لما كان يراها تبعية حزب الأمة للمؤتمر الوطني ووجود الأمير عبد الرحمن الصادق المهدي في القصر الجمهوري مساعداً للرئيس.. ولم يكتف الإمام بذلك ولكنه أراد ترتيب البيت الآخر وهو بيت المؤتمر الوطني وأعلن تحديه لجهاز الأمن وقوات الدعم السريع التابعة له عندما اتهم قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات أثناء العمليات التي قامت بها في كردفان ودارفور. ومن الواضح أن قوات الدعم السريع لديها حساسية مفرطة تجاه هذه الاتهامات عندما قدمت للصحافيين فيلماً وثائقياً حول المساعدات التي قامت بتقديمها للمواطنين في المناطق التي قامت بطرد الحركات المسلحة منها في دارفور، كما قامت برد اتهامات الصادق المهدي بعنف وكان ذلك على لسان قائد ثاني هذه القوات العميد حميدتي، وكان ذلك في اللقاء التنويري الذي نظمته الإدارة العامة للإعلام بجهاز الأمن الوطني والمخابرات. والتحدي الثاني من جانب الصادق المهدي هو وصفه لجهاز الأمن الوطني بأنه مثل نعامة المك الما في ((حد)) يقول لها تك، ولكن نحن هذه المرة بنقولها تك، وبهذا يكون الصادق المهدي قد بلع الطعم ووضع نفسه في مواجهة القوى الرافضة للحوار أو العاملة على فرملته ((وهي في سباق مع الزمن كي تثبت عدم جدواه على أرض الواقع)) بضرب التمرد بواسطة قوات الدعم السريع وتحقيق الأمن ووقف الحرب عن طريق الحل العسكري الذي تراهن عليه بديلا للتفاوض والحل السياسي.. وكرد فعل لاعتقاله رغم نفيه للتعامل بردود الأفعال: أعلن الإمام الصادق المهدي عن تراجعه عن الحوار وتخليه عنه كلياً كوسيلة لحل المشكلات عندما جاء في رسالته من كوبر: أحبابي في الدين وإخواني وإخواتي في الوطن العزيز إن أأمن وسيلة لتحقيق مطالب الشعب هي المائدة المستديرة أو المؤتمر القومي الدستوري على سنة الكوسيدا في جنوب إفريقيا كوسيلة استباقية لتحقيق السلام العادل والشامل والتحول الديمقراطي الكامل بصورة قومية لا تعزل أحداً ولا يهيمن عليها أحد.. ويقول الإمام الصادق المهدي: إن البلاغ الذي قدمه جهاز الأمن الوطني في يوم 15/5 /2014م هو بمثابة عدوان لن يثنينا عن موقفنا الإستراتيجي الوطني: إن عدوان بعض أجهزة الدولة علينا وبروز إجراءات بعض صقور النظام يجعلنا نراجع الموقف بموجب تكوين تجمع عريض يضم كل القوى السياسية المدنية المطالبة بالحريات العامة ... وفي إشارة من الصادق المهدي لقوى المعارضة: أن تحالفه غير المعلن مع المؤتمر الوطني قد انتهى يقول في رسالته: إن مشاركة إبني في النظام ((رغم أنه لا يمثلني ولا يمثل حزبه في ذلك)) وحرصنا الكبير على الحوار مع النظام لكي نرد المخاطر عن الوطن عوامل جعلت الكثيرين يظنون أننا قد بعنا القضية ولكن ما أتعرض له الآن من عدوان وسيلة العناية لتبرئة موقفنا من أية شبهة وتزكية موقفنا ليصير محطة إجماع سياسي شعبي. ومن المؤكد أن الصادق المهدي قد وجد تعاطف كثير من القوى السياسية في الداخل والخارج التي أعلنت تضامنها معه وطالبت بإطلاق سراحه. ومن الواضح أيضاً أن الخاسر في هذه المعركة مع الصادق المهدي هو الوطن لكون الحوار قد دعا له رئيس الجمهورية ولم تكن دعوة الرئيس للحوار بغرض المناورة أو كسب الوقت وقد كانت دعوة صادقة وتم التعامل معها بجدية من غالب القوى السياسية لدرجة أن المعارضة قد اختارت ممثليها في الحوار ومن بينهم السيد الصادق المهدي نفسه. وكنا قد حذرنا بعدم الدخول في مواجهة مع حزب الأمة وزعيمه مع كامل التقدير للطريق الذي سلكه جهاز الأمن مع الإمام الصادق المهدي وهو طريق القانون والقضاء، ولكن كما قلت في حديثي لفضائية أم درمان إن جهاز الأمن الوطني يكفيه إصدار بيان شافي وكافي يورد فيه بالمعلومات والحقائق على ما جاء به الصادق المهدي من مزاعم في حق قوات الدعم السريع والمضي على طريقة اللقاءات التنويرية من قبل جهاز الأمن لتوصيل المعلومات والحقائق للرأي العام وكل ذلك من أجل إنجاح الحوار الوطني الذي ابتدره رئيس الجمهورية وتأكيد التزام الحكومة بحرية التعبير ورفع الرقابة الأمنية عن الصحف التي أعلنها رئيس الجمهورية. ومن المؤكد أن العودة بالحوار للمنطقة التي كان يقف فيها قبل اعتقال الصادق المهدي بحاجة لحوار جديد وجهد يبذله رئيس الجمهورية بنفسه وليس شخص آخر.