قبل سنوات كنت قد تقدمت لسيادتكم بمناشدة عندما صدر قرار من معتمدية الخرطوم بإزالة الحديقة التي تقع جنوب القصر بالقرب من المعروضات المصرية. وقد كان السبب الذي دعا من هم في موضع القرار لاتخاذه والشروع في تنفيذه، هو أن تلك الحديقة تقع ضمن أملاك الأوقاف التي تضم المباني التي من ضمنها المعروضات المصرية وما جاورها. وقد بيعت الأرض إلى بنك التنمية الإسلامي ومقره مدينة جدة لتقيم إدارة البنك برجاً مع إزالة الحديقة لتصير موقفاً للعربات. وقد صدر قراركم الكريم بإيقاف ذلك الفعل، وظلت الحديقة قائمة بأشجارها وكائناتها التي تسبح بحمد ربها مما كان له أعظم الأثر في نفوس جميع العاملين في مجال البيئة والمواطنين عامة. هذا والحديقة تضم شجرة عرديب زرعها ونجت باشا وجلس تحتها عام 1910م الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت وعقيلته، وهو أول وآخر رئيس أمريكي يزور السودان. ومن محاسن قراركم أن تلك الشجرة مازالت قائمة إلى كتابة هذه السطور. واليوم يا سيادة الرئيس نناشدكم في يوم البيئة العالمي في أمر تحقيقه يزيل كثيراً من العنت والرهق الذي ظل ملازماً لمواطنيكم منذ الثامن عشر من يناير 2001م، اليوم الذي أعلن فيه قرار البكور وتقديم الزمن ساعة على توقيتنا الدولي المرتبط بتوقيت قرينتش. لا أحد يمكن أن يجادل في فضيلة البكور كمنهج سلوك يرتبط بالعمل الذي هو في حد ذاته عبادة. والدولة يمكن أن تسن من التوجيهات وتتخذ التوقيت الذي يناسب مواطنيها صيفاً وشتاءً. وهذا نهج معمول به في كثير من دول العالم. ولكن تقديم الساعة على خط الطول الجغرافي الذي يحدد الزمن لكل دولة هو ما أخل بالوضع الطبيعي الذي فطر الله عليه الأكوان. «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون». وهكذا حدد الله سلوك الأفلاك والأجرام السماوية «كل في فلك»، ومن عجائب كلام الله سبحانه وتعالى أن «كل في فلك» يمكن أن تقرأ من اليمين إلى الشمال ومن الشمال إلى اليمين وهذا قانون الكون الذي انتظم كل شيء ووضعنا نحن في السودان في فلك قرينتش + ساعتين. وهذا التوقيت الرباني جعل ساعتنا البيولوجية تعمل وفقاً له وكذلك الساعة البيولوجية عند جميع الكائنات، فعندما اتخذت الدولة نظام البكور وقدمت الزمن ساعة ظل الديك يصيح في نفس الوقت الذي يصيح فيه دون أن يقدم ساعته البيولوجية ساعة واحدة. وقديماً قال شاعرنا محمد ود الرضي رحمه الله قولاً لوكان في بلاد غير السودان لأصبحت مقولته قانوناً مثل قانون أرخميدس ونيوتون وأينشتاين. فقد قال: «تدري أو لا تدري الكون منظم بدري»، ونظرية ود الرضي في جزيئياتها تقول: إن هناك كوناً وأن به نظاماً وأن ذلك النظام «من بدري». وعليه يصبح على العلماء أن يبحثوا في تلك المكونات الثلاثة ويدرسوا حساباتها كما يفعلون مع كل نظرية. سيدي الرئيس: لم يدرس أحد أو يقيّم هذه التجربة بعد مضي أربعة عشر عاماً عليها، ولم نتحقق هل تقدم إنتاجنا واقتصادنا بنفس القدر الذي قدمنا به الساعة، وكأن الذين أوصوا باتخاذ ذلك القرار ولم يقبلوا نقاشاً حوله أرادو أن يقولوا إن السودان في ظل فترة الإنقاذ قد تقدم ساعة واحدة. وهم لا يدرون ما أحدثته تلك الساعة من ربكة في جميع مناحي الحياة، وخذ أبسط مثال: قبل تقديم الساعة كان جميع أهل السودان يكونون قد تناولوا إفطارهم بحلول العاشرة صباحاً، ولكن بعد تقديم الساعة صار الناس يتناولون إفطارهم ثم يسرعون للحاق بصلاة الجمعة. وقديماً كان وقت الناس ينتظم في مواقيت معينة، فقد كنا نعود من العمل ونتناول غداءنا ثم ننام ونصحو العصرية لنتفرج على الصبية وهم يلعبون الكرة في الساحات أمام المنازل، ثم نصلي المغرب والعشاء، ثم بكل ارتياح نحصل المنتديات التي تبدأ في أوقاتها في الساعة الثامنة مساءً لتنتهي في الحادية عشرة أو قبل ذلك. والآن لا يبدأ أي منتدى إلا في التاسعة، أو إذا بدأ قبل ذلك يتوقف لسماع أذان العشاء. طبعاً تعمد الذين اتخذوا ذلك القرار أن يختاروا الثامن عشر من يناير لأنه في ذلك التاريخ يكون الليل في أطول وقت له، وفي تقديري هم لم يوفقوا في ذلك، لأن حكمة المناورة والمراوغة الذكية كانت تقتضي أن يختاروا له أطول نهار من أيام السنة عندما تشرق الشمس مبكرة ليقنعوا الناس بحجتهم، ولكن يبدو أنهم لم يحتاجوا لذلك لأنهم أقنعوا الدولة لتتخذ القرار، فلا حاجة لهم بإقناع الناس فهذا لا يقدم الساعة التي سعوا لتقديمها. سيدي الرئيس: عانينا كثيراً ونحن ننقل أطفالنا لرياضهم وهم نيام، وعانينا من هجوم الكلاب الضالة على الصغار، وقد كانت هناك لجنة درست هذا الموضوع وأوصت بعدم العمل بتقديم الساعة، وهذا ليس هناك داعٍ له الآن، لأن الأمر لله من قبل ومن بعد ثم لكم لتجبروا بخاطر مواطنيكم .. فقد أخبرني أحد الذين أثق في تقديراتهم وهو قريب منكم، أنه لا أحد يمكن أن يراجع هذا الأمر إلا السيد الرئيس شخصياً. وأنا أثق في حسن تقديركم، وأعتقد أن خير هدية تقدمها لأبناء أمتك في يوم البيئة العالمي الموافق 5 يونيو، أن تعيدهم لزمن فطور الجمعة الساعة عشرة. وتفضلوا بقبول فائق الشكر والاحترام.