هذا اليوم ربما لا يمثل للكثيرين أية مؤشرات ذات أهمية بالرغم من أنه هو اليوم الذي «شقلب» حياتكم رأساً على عقب. ففي هذا اليوم يكون ليل الشتاء هو الأطول في كل الليالي ولذلك اعتمد عليه الدكتور عصام صديق المستشار أو الوزير السابق في إقناع الحكومة أن تعتمد سياسة البكور و«تجر» عقارب الساعة ستين دقيقة للأمام وأصبح هناك ما يعرّفه الدكتور ب «جرينتش + 3» بدلاً عن «جرينتش +2» التي هي توقيت السودان الجغرافي الذي أوجد الله عليه السودان. ولهذا تم تقديم الساعة في 17 يناير من عام 2000م. لقد مضت على تجربة البكور أربعة عشر عاماً من عمر الاستقلال ولم يتوقف الناس ليحسبوا كم زاد الإنتاج أو كم نقص. «قدموا الساعة وخلاص». وقد تم تكوين لجنة برئاسة الأستاذ عبد الدافع الخطيب ورفعت تقريرها وذلك في بداية التجربة وأوصت بعدم اعتماد تقديم الساعة ولكن يمكن اعتماد توقيت صيفي وتوقيت شتوي. تقرير اللجنة لم يعمل به. ودخلتُ في مناظرات عديدة مع الدكتور عصام صديق لأبين له عدم صواب توصيته التي في نظري كانت مضرة وليس فيها ما يفيد. وهو الآن يعمل خارج السودان وأنكر إنه لم يوص بجر عقارب الساعة للأمام ولكنه فقط قال «اعتمدوا جرينتش +3» وأنا لا أعرف ماذا يعني هذا؟ المهم في الموضوع أن الله سبحانه وتعالى نظم الكون نظاماً دقيقاً وكذلك ضبط الساعة البيولوجية لأي كائن حي حسب وضعه الجغرافي الذي تحدده خطوط الطول. وهو قد قال في محكم تنزيله في سورة يس «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون». ولو تمعنت في «كل في فلك» لوجدت أنك يمكن أن تقرأها من الشمال لليمين ومن اليمين للشمال وتلك حكم الله وبديع تدبيره في حركة الكواكب والمجرات «والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى» فالليل يغشى لأنه يمثل النسبة الأعلى والنهار يتجلى لأنه يمثل نسبة ضئيلة من ليل الأكوان. والسودان يسبح في فلك «جرينتش +2» وليس «جرينتش + 3» التي وضعتنا في توقيت مماثل لتوقيت المملكة العربية السعودية في حين أننا لا نصلي مع السعودية في وقت واحد. وكل مكان في هذه الأرض له توقيته الجغرافي وتوقيته البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية. فمثلاً في جزيرة ديوميد الصغرى التي تقع في أمريكا يكون الوقت الساعة الثانية عشرة ظهراً مثلاً يوم السبت بينما يكون الساعة الثانية عشرة ظهراً يوم الأحد في ديوميد الكبرى التي تقع في روسيا بينما لا تفصل بينها إلا مسافة عدة كيلو مترات. هي المسافة التي يقع فيها خط التوقيت الدولي International Date Line ولو كان الأمر متروكاً لنفعل به ما نشاء لجعلنا شهر رمضان الكريم يقع في شهور الشتاء عندنا ولكن هذه هي إرادة الله التي فطن لها الشاعر محمد ود الرضي بفطرته السليمة فقال: تدري أو لا تدري.. الكون منظم بدري. والدكتور عصام صديق استطاع بقوة الدولة أن يجعلنا «نجر» ساعاتنا للأمام، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً أن يجعل الديك «يعوعي» في «جرينتش +3». ولا حتى ود أبرق أو عشوشة بت أبرق أن يصحيا في غير زمن ساعتهما البيولوجية التي ضبطها الله لهما أن تعمل على النحو الذي يريده. والدكتور عصام أفلح في إجبارنا على الصحيان في غير وقتنا وأطفالنا لم يكملوا نومهم وأطلق علينا اسم «النخب المتثاقلة» كلما مرت علينا ذكرى «جر الساعة للأمام» في 17 يناير التي ظل يستخدمه حتى هاجر من السودان. والأغرب من ذلك أنه نشر مقالاً ورسم فيه دائرة قسمها لأربع وعشرين ساعة. قال فيها إن الزمن من الساعة الخامسة صباحاً هو زمن الله وهو الذي نتلوا فيه القرآن ونصلي فيه. ثم من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الثانية بعد الظهر هو وقت العمل، وأن الزمن الذي يأتي من الساعة الثالثة ظهراً وحتى السادسة مساء خصصه «للطعام والرفث والنوم» غير أنه لم يقل لنا بأيها نبدأ.. هل نأكل ثم نرفث فننام، أم ننام فنرفث ثم نأكل أم لا يضرنا بأيها نبدأ. وقد ظل هذا الموضوع معلقاً إلى يومنا هذا. والأغرب من ذلك كله أن الجنوبيين عندما انفصلوا لم يتطرقوا لذلك في أي بروتوكول يتعلق بالمواقيت مع أنهم يتمتعون بدولة كاملة الدسم وكان بإمكانهم ألا يتبعوا خيار الدكتور عصام صديق ولكنهم لابد أن يكونوا قد ظنوا أن الأمر كذلك فلم يفطنوا لهذا الأمر مع أنهم يقعون قريباً من خط الإستواء حيث يتساوى الليل والنهار. ولذلك فإذا كان التغيير ممكناً قبل أربعة عشر عاماً فهو الآن أوجب لتستقيم المواقيت مع سنن الله الكونية. فالسودان لم يستفد شيئاً من تقديم الزمن ساعة التي هي بكل المقاييس لا تنسجم مع «كل في فلك». ولنا عودة بإذن الله.