طبعاً بعد عشرة أيام ردت القاهرة على طلب تعيين الدكتور عبد المحمود عبد الحليم سفيراً للسودان لديها ليكون سفيراً فوق العادة ومفوضاً لجمهورية السودان لدى مصر.. أي أن يكون بمثابة مبعوث الرئيس ومساعد وزير الخارجية للعلاقات مع دولة جارة بينها وبين السودان قضايا عالقة وعائقة. وحتى حفل تنصيب قائد الانقلاب رئيساً لمصر سيمثل فيه البشير السيد السفير فوق العادة الجديد. نعم مصر في هذا الوقت تحتاج الى من يكون سفيراً لديها للخرطوم «فوق العادة». مصر الآن بعد تقنين الانقلاب العسكري الذي أطاح الديمقراطية تدخل مرحلة في السياسة الخارجية أسوأ من التي كانت في عهد مبارك. والآن بعض وسائط الإعلام الإسرائيلية تعبر عن انشراح صدور اليهود باعتلاء السيسي سدة الحكم. وقبل أن أمضي في الحديث بمناسبة تعيين سفير فوق العادة.. دعونا هنا نذكر الحكومة السودانية بشيء مهم جداً وهو في صالحها قبل أن يكون في صالح غيرها. وهو ما يمكن أن نسميه شعار «القضاء مستقل والصحافة حرة».. فإذا قامت دولة متوجسة و«متعقدة» بالشكوى إلى الخرطوم ضد صحيفة أو مجلة، هنا ينبغي أن ترد الخرطوم بالقول بأن القضاء مستقل والصحافة حرّة والديمقراطية سائدة في السودان مثلما في بريطانيا وأمريكا وإسرائيل. وهذا طبعاً يرفع من شأن السودان ويجلب له الاحترام ويحمل المجتمع الدولي ومؤسسات الحكم الديمقراطية في الدول الحرة على أن تضغط على الحكومات هناك لكي تحترم السودان «الحر الديمقراطي». لكن أن تتجاوب الحكومة السودانية مع شكاوى الدول المتوجسة التي تخاف حكوماتها من ظلها، فهذا يثبت لها وللشعب والمجتمع الدولي أن شعب السودان بقضائه وصحافته يرزح تحت حكم شمولي إرهابي ديكتاتوري. وهذا ما لا نريده لبلادنا الحبيبة التي تحكم بالشريعة الإسلامية. ومصر نفسها لو كانت استمرت فيها الديمقراطية لن تحتاج لمثل هذه الشكاوى «الإفلاسية». إن الدول الدكتاتورية هي التي تضيق ذرعاً بحرية الصحافة، وهي التي تستغل دكتاتوريات دول أخرى دكتاتورية مثلها في مسألة الشكوى من صحافتها. انظر الى دولة مبارك والدولة الديمقراطية في مصر أيام مرسي، وقارن بين ديمقراطية مصر في ولاية مرسي ودكتاتوريتها في عهد الانقلاب العسكري الحالي الذي جاء بصورة خادعة للناس. إنه الانقلاب العسكري الخجول.. انقلاب يراه أصحابه لا بد منه.. فقد لعن أصحابه ومؤيدوه الديمقراطية الحقيقية الصادقة في مصر ولسان حالهم يقول إن مصر لا تصلح فيها الديمقراطية إلا بعد أن يصلح جيشها. ولا تصلح الديمقراطية في بلد إذا لم يصلح جيشها ويصبح محترماً لها وحامياً وليس محترماً لأجندة المشروع الصهيوني التوسعي. سبحان الله.. إسرائيل دولة ديمقراطية.. نعم.. لكنها رفضت الديمقراطية في مصر وأرادت إطاحتها بانقلاب عسكري قاده أحد أبنائها داخل الجيش المصري. وبالعودة إلى تعيين الدكتور عبد المحمود عبد الحليم سفيراً فوق العادة لدى مصر.. نصيحتي له أن يكون رده دائماً على كل نقطة تثار بخصوص العلاقات بين البلدين أو بخصوص حلايب أو سد النهضة، معلوماتياً أكثر من أن يكون مجاملةً. والمعلومات التي تعلمها مصر قبل غيرها وتتجاهلها حينما تقتضي مصلحتها على حساب غير ذلك، لا بد من إبرازها. ولا بد أن نردد معلومات تاريخ حلايب ومعلومات مصلحة سد النهضة. والحكومة المصرية الجيدة تدعي طبعاً أنها ديمقراطية، وملعوم أنه ليست هناك دولة ديمقراطية تلجأ للشكوى إلى دولة أخرى ضد صحيفة أو مجلة لأنها انتقدتها.. وسنرى.