روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه لقي حذيفة بن اليمان فقال له: «كيف اصبحت يا حذيفة؟»، فقال: «اصبحت أحب الفتنة، وأكره الحق، وأصلي بغير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء..» فغضب عمر غضباً شديداً، فدخل علي ابن ابي طالب رضي الله عنه، فقال له: «يا امير المؤمنين على وجهك أثر الغضب»، فأخبره عمر بما كان له مع حذيفة. فقال له: «صدق يا عمر، يحب الفتنة، يعني المال والبنين، لأن الله تعالى قال: «إنما أموالكم وأولادكم فتنة»، ويكره الحق يعني الموت، ويصلي بغير وضوء، يعني انه يصلي على النبي بغير وضوء في كل وقت، وله في الأرض ما ليس لله في السماء، له زوجة وولد، وليس لله زوجة ولا ولد». فقال عمر: «أصبت وأحسنت يا أبا الحسن، لقد أزلت مما في قلبي على حذيفة بن اليمان». كان للسلف الصالح «رضوان الله عليهم» حتى في مداعباتهم لبعضهم البعض حكم وعلم ونور، استمدوه من تفقهم وحبهم للدين. فليس هنالك أبلغ ولا أحلى من القرآن الكريم، ولهم في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي احاديثه وهديه، ما يتجلى به الدعاة ويطيبوا به المجالس، من شتى «فنون الدعوة» إلى سبيل الله، وهو ما نحن بصدده اليوم. لقد كانت لنا في حضرة الداعية والمفكر الاسلامي ابو طارق الرشيد جلسة طيبة، بدأناها بالحلقة الأولى وتناولنا فيها باختصار نبذة تاريخية عن حال الداعية وامام المسجد في السودان والآثار السالبة التي عمل الاستعمار من خلالها على «تقزيم» الداعية وأمام المسجد والدعوة. واليوم ندخل إلى صلب الموضوع ونسأل فضيلة الشيخ: ما هي الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها الدعوة في سبيل الله، وما يفترض أن يتسلح به الداعية؟ ويجب فضيلته: تقوم الدعوة على الهدف الرئيس وهو الدعوة إلى الله باعتبارها عبادة، وهو هدف رباني، الله هو الذي اختار هذا ومن أجله خلق الناس.. الآية: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». ويخرج منه الوسائل للوصول إلى هذا الهدف، ومن هنا تأتي ربانية الهدف والوسيلة التي تدعو إلى افراد الله للعبادة بوسيلة يرتضيها الله ليكون الفرد قدوة صالحة، وإدراك الهدف انه من الله والوسيلة هي التي يجب ان ترضي الله فتخرج من ادراك الهدف والوسيلة طريقة المستهدف نفسه وهو الانسان، وهي ثلاثة أمور، اعظم هدف هو التوحيد، والوسائل هم الرسل، ثم تكلم القرآن على المتعلقات بالوسيلة «القرآن والسنة»، والتي ذكرت لماذا يفرد الله بالعبادة وكيف يفرد.. وتكلمت الوسيلة عن أخلاق المؤمنين وعن أخلاق الكفار والمشركين، وتكملت عن الجنة والنار وتفاصيلهما، ثم المشكلات التي حدثت وتحدث بين الفريقين، ومن هنا تأتي الدعوة. طيب يا مولانا، من بين هذا وذاك تتكون شخصية الداعية، ماذا ينبغي ان يكون عليه الداعية لكي يتحقق الهدف المنشود؟ { نعلم انه ما من نبي بعث في قومه إلا وهو يعرف عنهم الكثير.. الحالة الاجتماعية، الاخلاق والعادات.. الخ بالتالي فإن الداعية ما لم يكن مدركاً لواقع المجتمع لا يمكن أن يصل للهدف المنشود. في الحديث ان رجلاً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: «أيقبل الصائم» ؟ قال: «لا» . بعدها جاء آخر وسأل نفس السؤال قال الرسول صلى الله علي وسلم :«نعم». استغرب الحضور، فقال النبي: ذاك شاب والثاني شيخ والشيخ أملك لنفسه. الحديث: «عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه». والثانية أن الداعية لا بد ان يكون على علم تام لما يدعو إليه. وهذه تتأتى بمعرفة الكتاب والسنة والعلوم التي تعين على ذلك. ثم يعرف حال المدعو، فاذا عرف حال المدعو استطاع ان يتخذ الوسيلة، وهذا السبب الذي جعل شرائع الانبياء تختلف. يقول الله سبحانه وتعالى:«وانزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهميناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون» المائدة «48» هل هذا ينطبق على اختلاف أوضاع المسلمين يا مولانا؟ الشائع بين بعض العامة أن «الدين صالح لكل زمان ومكان» الصحيح ان الدين يُصلح كل زمان ومكان. ما الفرق؟ في الاخيرة هو أداة الاصلاح، يعني يرفع الناس إلى مراد الله، والأولى «المنتشرة عند الناس» يقول البعض بموجبها نأخذ من الدين ما يناسبنا، وخطورة هذه أن الدين يصبح «موزوناً» وليس «ميزاناً». وإشكال المحدثين وبعض المفكرين انهم ما عرفوا طبيعة الدين. طبيعة الدين أن الآيات والاحاديث تتنزل على جذر السلوك الإنساني. { مثال ذلك؟ مثلاً تجد ان الانسان في اليابان وفي مصر وفي امريكا وروسيا.. ومختلف بلدان العالم يكره الظلم ويحب العدل والخير وهذه طبيعة. الآية: «زين للناس حب الشهوات.. الآية» الربعي بن مالك رضي الله عنه عندما جاء لقائد الفرنجة سأله: ما جاءبكم يا اعرابي؟ اجابة: جئنا لاخراج الناس من عبادة العباد لعبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الاسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. «القصة اوردناها كاملة في الحلقة الفائتة» مولانا أرجو أن تختتم لنا «بالتوليفة» التي ينبغي ان يكون عليها الداعية ليتقن «فنونها» خصوصاً ونحن مقبلون على «رمضان» وهو شهر يضاعف فيه أجر الدعاة: فالحديث الذي بدأناه شائق وطويل ومثمر وجميل، نتمنى ان نحظى بلقاءات متجددة ونستمتع فيها بالكثير. على الداعية ان يجمع بين تحقيق الهدف «توحيد الله، واستعمال الوسيلة «الكتاب والسنة» ومعرفة حال المدعو والمجتمع الذي يعيش فيه. صفات الداعية والإمام؟ أن يجيد ما يدعو إليه كما فصلنا في هذه العجالة.