كثر الحديث عن الزيارة التي ينوي زعيم المعارضة الجنوبية المسلحة القيام بها للخرطوم، فتارة يتم الإعلان عن قرب موعد وصول الرجل للخرطوم كما حدث في الأيام الماضية، وتارة يصدر إعلان بأن هذه الزيارة قد ألغيت من جانب الحكومة ولا سبيل للحديث عنها مرة أخرى، وتصدر تصريحات من بعض أعوان الدكتور رياك مشار وأخرى من مصادر الحزب الحاكم المؤتمر الوطني تقول: بأن زيارة الدكتور رياك مشار للخرطوم أجلت ولكنها لم تلغَ. ومن الواضح أن أقوى المعارضين الرافضين لزيارة مشار للخرطوم هي حكومة جنوب السودان، فقد صرح وزير خارجية جنوب السودان بنجامين مريال لصحيفة «التيار» الصادرة السبت السابع من يونيو الجاري، بأنهم في حكومة الجنوب « قلقون» من زيارة رياك مشار للخرطوم. وهناك جدل إعلامي بين حكومة الجنوب والمعارضة الجنوبية المسلحة، بأن زيارة مشار للخرطوم يتم الترتيب لها من قبل الوسيط الإفريقي في النزاع وهو منظمة الإيقاد، وهذه تقريباً حجة المعارضة أما حكومة الجنوب تقول بأن ممثل الإيقاد في جوبا لم يخطر حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت بترتيب الإيقاد لزيارة مشار للسودان . ومن المؤكد أن الخرطوم لو قررت استقبال سلفاكير لا تحتاج لإذن من الإيقاد أو غير الإيقاد، ولكن هناك تعقيدات أهمها في نظري موقف الحكومة السودانية من الصراع في جنوب السودان، وهذا الموقف في غالبه الأعم يأخذ طابع الحياد وعدم دعم طرف من أطراف النزاع على حساب الطرف الآخر. ولكن هذا الحياد مشكلته أنه مواجه بالتشكيك من قبل طرفي النزاع في دولة الجنوب، فحكومة الجنوب برئاسة سلفاكير تتهم الحكومة السودانية بدعم مشار، وتعتقد أن مشار ما كان له أن يصمد طيلة هذه المدة لولا الدعم الذي يتلقاه من الخرطوم عبر الحدود بين الدولتين. والمعارضة المسلحة برئاسة رياك مشار تقول إن الحكومة السودانية تقف إلى جانب حكومة الجنوب، وأن الرئيس البشير أعلن دعمه للرئيس سلفاكير وقام بأكثر من زيارة لمدينة جوبا منذ اشتعال الصراع المسلح بين الجانبين. وما بين هذا وذاك نجد كثيراً من التناقضات على الأرض، وهو ما يعقِّد الأوضاع في الجنوب. فالجيش اليوغندي يساند حكومة الجنوب وهناك حديث عن وجود للجيش المصري ومرتزقة من مناطق إفريقية مختلفة، وفي ذات الوقت هناك حديث عن قتال الجبهة الثورية المعارضة وحركة العدل والمساوة لقوات رياك مشار لحساب حكومة الجنوب التي تقوم بدعم المعارضة السودانية المسلحة. وفي ظل كل هذه التعقيدات على الأرض وانعدام الرؤية السياسية والإستراتيجية لطرفي النزاع في جنوب السودان، فإن الحكومة السودانية في موقف لا تحسد عليه لأن الدول والحكومات ليست هيئات خيرية ولا هي مقاول يعمل بالمقطوعية في مكان وغداً في مكان آخر، ولكن الدول تعمل سياستها وفقاً لأهدافها ومصالحها الإسترتيجية والأمنية. وربما كان مناسباً أن تضع الحكومة حداً لهذا الموضوع المتعلق بزيارة مشار للخرطوم، والذي كثر حوله الكلام كما قلت ويتم استقبال الدكتور رياك مشار من قبل الحكومة والاستماع لوجهة نظره في حل النزاع في دولة الجنوب، وكيفية تحقيق الأمن والاستقرار في هذه الدولة الوليدة والجارة وحمايتها من التدخلات الأجنبية والأطماع الخارجية، اليوغندية على وجه التحديد، وتقديم خدمات الإغاثة للنازحين من أبناء الجنوب. وقد تكون ردة الفعل من جانب حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، هي تقديم مزيد من الدعم للجبهة الثورية المعارضة نكاية في الحكومة السودانية لاستقبالها خصمه رياك مشار رغم رفض حكومته وتحذيراتها للخرطوم من اتخاذ هذه الخطوة. وقد يتسبب هذا الأمر للوهلة الأولى في مشكلات وتعقيدات في العلاقة بين الخرطوموجوبا كما صرح وزير خارجية الجنوب، ولكن حكومة دولة الجنوب من شأنها أن تتفهم الدوافع الإستراتيجية والسياسية التي جعلت الخرطوم تتخذ قرارها باستقبال رياك مشار في عاصمة بلادها، وما يمكن أن يعود على هذا القرار من عائد على شعبي السودان في الأمن والاستقرار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدولتين من أية دولة من دول المنطقة، لا يوغندا ولا غير يوغندا. وهنا لابد أن يكون الدكتور رياك مشار بدوره رجل دولة يبحث عن السلام والاستقرار لشعب بلاده، من خلال معادلة سياسية لا تقصي طرفاً من الأطراف، وهذا يمكِّنه من الحصول على دعم الدول الصديقة والشقيقة، والتي تمتلك الرغبة في استقرار دولة جنوب السودان وأمنها وسلامها.