هذا اللقاء غير المتوقع أتاح للحلاق أن يتعرف على الكثير من المعلومات من أسرار الشيخ عبيد وكذلك من خلال اللقاءات الأخرى بينهما.. فالرجل كان دائم التردد على جامع الزعتري ويتخذ منه وكراً آمناً لتمتعه بموقع إستراتيجي بطريق لوليفار على المدخل الشمالي للمدينة.. مما يمكنه بسهولة من الالتقاء بأعوانه ومساعديه حيث سلمهم التكليفات والأوامر في مظاريف مقفلة.. ويتسلم التقارير والمعلومات مكتوبة كذلك.. اكتشف الحلاق الحس الأمني العالي الذي يتمتع به الشيخ عبد الكريم عبيد.. فهو ينتحل أسماء حركية عديدة.. إلى جانب استبدال سيارات مختلفة وقوية مثل الجاكوار والجيب واللاندكروزر والروفر.. الخ. ويتسلح بمسدس أوتوماتيكي سريع الطلقات وله خزينة إضافية.. ويحتفظ بمدفع كلاشينكوف أسفل مقعد السيارة متجنباً اصطحابه أي حراسة شخصية في تنقلاته إمعاناً في التمويه وسرية التحركات. استطاع الحلاق أن يتمكن من جمع هذه المعلومات وهو يرتدي ثوب الورع والتدين وكلها من خلال لقاءاته بالشيخ عبيد الرجل المهم في حزب الله.. فالدورات التدريبية المكثفة التي تلقاها على أيدي خبراء الموساد.. مكنته من فهم أبعاد لعبة المخابرات واتقان وظائف الجاسوسية وقراءة أسرارها الأمنية المعقدة ذلك أن ثمة خطأ بسيط في عدم إتقان اللعبة «الساتر» قد يؤدي لسقوط سحيق في بئر لا غرار لها ولا قاع فيها.. أي إلى حافة الموت. وهي تعرف في هذا العالم الأسود الكالح السواد تعرف بلعبة الموت والذكاء والدهاء والمصير المهلك. بدا مظهر الحلاق في صورة زاهية مثالية للمسلم الشيعي المحافظ مسلكاً وسلوكاً.. أحياناً رأيه في حزب الله ناقداً لبعض سياساته.. وتارة متبرعاً بماله في سخاء وهي في الواقع من أموال جهاز الموساد.. هذه الأعمال زادته ثقة لدى الشيخ عبيد.. مما رفعت الشيخ عبيد أن يطلب منه تبرعات لحزب الله والحصول على معلومات عن تحركات قوات لحد في جنوبلبنان.. ونقاط التفتيش الأمنية بالقرب من مفرق دير قانون البحر شمال الناقورة، فأظهر الحلاق انزعاجه في تمثيلية بارعة.. وأخذ يشرح للشيخ كيف يتشكك الجيش اللحدي من كل سكان الجنوب خاصة أولئك الذين يتنقلون منهم ما بين الجنوب والشمال.. حيث تطول الجميع استجوابات أمنية مرهقة وفي ركن قصي داخل المسجد أخذ الشيخ عبيد وكان يشير بأصبعه لأعوانه أن ابتعدوا يحاول تهدئة الشاب الخائف قائلاً له إن لحزب الله أعواناً وعيوناً ساهرة في كل مكان بالقرى المتاخمة لحدود إسرائيل.. لكن يلزمهم أحياناً أماكن لتخزين الأسلحة بالناقورة ورأس العين.. تصلح في الوقت نفسه كقاعدة انطلاق للعمليات الفدائية.. كان الخوف المصطنع الذي يظهره الحلاق.. أمام الشيخ عبيد وخبرته الطويلة إلى تبين العديد من الخونة وكشفهم.. لكنه أمام جاسوس مدرب كالحلاق.. لم تأهله قدراته في كشف حقيقة الحلاق إلا أن الشيخ عبيد ترجم خوف الحلاق راجع لخوفه على عروسه الجميلة وعلى حملها وعلى تجارته ذات النمو السريع .. كما كانت آمال عبيد أن يصبح الحلاق أحد رجال حزب الله الناشطين في الناقورة.. وفي نهاية يوليو 1989م كانت حنان الياسين مع موعد مع مولودها الأول وكانت الموساد في ذات الوقت قد وضعت الترتيبات النهائية بمعاونة عميلها أحمد الحلاق لاختطاف الشيخ عبد الكريم عبيد من منزله في قرية «جبشيت».. بواسطة وحدة كوماندوز إسرائيلية في عملية أطلق عليها زوار الفجر. {اللقاء الأخير: المخابرات الإسرائيلية استعدت تماماً لعملية «زوار الفجر» للاختطاف الشيخ عبد الكريم عبيد إلى إسرائيل ووضعت خطة اختطافه على عدة خطوات فصلتها وقائية وتمويهية محكمة ففي صباح 17 يوليو 1989م ذهب أحمد الحلاق إلى صيدا للقاء عبيد عند مسجد الزعتري وهنالك اطلعه على معلومات حقيقية أمدته بها الموساد «الغرض من هذه المعلومات هي إسراع الشيخ عبيد إلى منزله يكون على مرأى ومسمع من تنفيذ هذه المعلومات كذلك ليتأكد أن أحمد الحلاق قد انضم بالفعل إلى حزب الله وأصبح شخص فاعل ومهم داخل تنظيم الحزب» والمعلومات تفيد أن الموساد يقود عملية تفتيش عن ثلاثة فدائين نفذوا عملية قبل ثلاثة أيام داخل إسرائيل وهربوا ثلاثتهم إلى جنوبلبنان ومن المتوقع أن يكونوا مختبئين في قرى جنوبلبنان.. أان تفتيشات صارمة ستقوم بها القوات الإسرائيلية في جنوبلبنان وبالأخص في قضاء «بنت جبيل» الذي يضم سبة وثلاثين قرية وذلك للبحث عن هذه العناصر التابعة لحزب الله والذين تمكنوا من الفرار والاختباء بعد ما نفذوا عملية فدائية بالقرب من عيترون ودلت آثارهم على أنهم اتجهوا غرباً للاختباء. وخلال هذا اللقاء مع الشيخ عبيد أفضى له أن قوات «لحد» ستقوم بمساعدة قوات من النخبة الإسرائيلية في محاصرة المنطقة بكاملها مع غروب الشمس لتمشيطها.. ولما سأله عبيد عن مصدر معلوماته أجابه بثقة بأن مخبراً «لحدياً» دائم التردد على محله التجاري أخبره بذلك وأن هنالك إجراءات وترتيبات مخابراتية بالغة السرية تتم داخل الوحدة «504» في بلدة الخيام بشأن اختطاف الشيخ مصطفى الديراني المسؤول عن حركة المقاومة المؤمنة أحد تنظيمات حزب الله وذلك لمعرفة مصير الطيار الإسرائيلي «رون اراد».. نتابع إن شاء الله