الزيارة التي قام الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي للخرطوم أمس، تعد مؤشراً مهماً للعلاقات بين الخرطوموالقاهرة. وتعد خطوة مفتاحية على كثير من الأصعدة خاصة فيما يتعلق بترميم العلاقات مع كثير من الدول العربية. فالزيارة تؤكد أن الخرطوموالقاهرة تسيران في الاتجاه الصحيح وفقاً لقواعد اللعب السياسي والدبلوماسي، فالسيسي أصبح رئيساً لمصر رضيت الخرطوم أم أبت، وعلينا أن نتفاهم معه في كل الملفات والعلاقات المشتركة خدمة لشعبي البلدين. الزيارة مهمة للخرطوم أكثر من القاهرة لأن مصر لها وضعها لدى كثير من الدول الغربية، بإمكانها تحسين الصورة الذهنية المرسومة للمصريين أولاً ولكثير من الدول بأن حكومة الخرطوم لا تدعم الإخوان المسلمين وتحترم خيار الشعب المصري. لم يكن أحد يتوقع أن يبادر السيسي بزيارة الخرطوم في الوقت الراهن، فما زالت مصر تنكأ كثيراً من الجراحات الداخلية، فضلاً عن الملفات الخارجية التي على رأسها ملف سد النهضة، كل ذلك يؤكد أهمية الزيارة للقاهرة والخرطوم التي يمكن أن ينزعا من خلالها كثيراً من الألغام المزروعة منذ زمن حسني مبارك. صحيح كثير من الملفات العالقة بين البلدين، كانت أحد أسباب توتر وفتور العلاقات لكن لم تكن هناك الإرادة القوية لحلحلة تلك المشكلات، مما أفرز صراعات مع دول أخرى كانت لها علاقة بخيوط اللعبة مع الخرطوموالقاهرة. نرحب بزيارة السيسي ونأمل أن تدفع علاقات البلدين للأمام، والاستفادة من التجارب السابقة في التعامل بين البلدين. لقد تضرر السودان في السنوات الماضية من مواقف سياسية لم تكن محسوبة النتائج، كانت مواقف عاطفية للمؤتمر الوطني، وليست مواقف دبلوماسية للحكومة، ما زلنا لم نستطع الخروج من دائرتها السالبة. واستطاع السودان أن يحقق نجاحات كبيرة على مستوى العلاقات مع الدول الإفريقية، التي كانت أقرب إلى السودان في كل الملفات، لكننا فشلنا في بناء علاقات إستراتيجية مع الدول العربية باستثناء قطر، والعلاقة مع قطر أيضاً دخلت في إطار التوتر العربي بين قطر ومجموعة السعودية ومصر والإمارات وغيرها، فلم نسلم من دعم قطر للسودان. السودان يتحاج للانفتاح على الدول العربية أكثر من أي وقت مضى، من خلال تشجيع تلك الدول على الاستثمار في السودان، وإبعاد البيروقراطية التي كثيراً ما عانى منها أولئك المستثمرون، فكل الدول العربية تؤكد دور السودان وتاريخه في المحيط العربي، لكنها تخشى الانزلاق في أراضيه، بسبب الغضب الغربي، مما يترتب عليه عدم رضا، وهذا الرضا بالنسبة لكثير من الدول العربية مهم جداً. الخارجية السودانية مطلوب منها صياغة العلاقات، لا نقول المتوترة لكن العلاقات غير المتجددة أو المفعَّلة، والنظر فيها لمصلحة الدولتين، بعيداً عن التشنج والتعصب، وإرضاء دول على حساب دول أخرى في ذات المحيط. مرحباً بالسيسي في الخرطوم لفتح صفحة جديدة في العلاقات تقوم على أساس مصلحة شعبي وادي النيل بعيداً عن هطرقات بعض الإعلاميين المصريين الذين دائماً ما يتسببون في إذكاء نار الفتنة بين البلدين.