غيوم كثيرة علقت في سماء العلاقة بين مصر والسودان خلال السنوات القليلة الماضية، فطفت على سطح العلاقة الكثير من القضايا الخلافية التي إن كان ظاهرها الرسمي بدا أكثر تحفظاً، إلا أن المراقب يلحظ حالة من الفتور الرسمي واللوم المتبادل الذي تطور إلى اتهامات في كثير من الأحيان. بعد فوز السيسي برئاسة مصر، يتوقع مراقبون أن يتغير مشهد العلاقات بأحد اتجاهين، إما إلى تعاون يفضي لحلحلة الخلافات، أو إلى مزيد من التوتر. ثمة توقعات بأن يبدد الترحيب السوداني الرسمي بفوز السيسي الكثير من التوقعات السالبة بشأن مستقبل العلاقة بين دولتي وادي النيل، إذ سارعت الخارجية السودانية فور إعلان فوز السيسي إلى الترحيب بنتائج الانتخابات المصرية، مؤكدة احترامها لخيار الشعب المصري، إلى جانب الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس السوداني عمر البشير بالرئيس المصري المنتخب عبدالفتاح السيسي، وأعقبت ذلك تصريحات لوزير الخارجية السوداني علي كرتي، أكد فيها استعداد السودان للتعاون مع القاهرة في تطوير العلاقات الثنائية، كل تلك المواقف التي تظهر حسن نية من الجانب السوداني رغم اهتزاز الثقة البائن يمكن أن تصب خانة دعم العلاقة لمستويات أفضل اذا ما وجدت مواقف ايجابية متبادلة من قبل الجانب المصري. ويرى حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان أن الخرطوم لديها الكثير من القضايا التي تحتاج إلى النقاش مع الجانب المصري. ويؤكد الأمين السياسي للحزب د. مصطفى عثمان إسماعيل أن السودان سينتظر حتى أداء الرئيس السيسي القسم وتشكيل حكومته، ومن ثم إجراء اتصالات لمناقشة القضايا الثنائية. ويشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. صفوت فانوس ل«الخرطوم» إلى التحديات التي تواجه الحكومة المصرية المقبلة بشأن حلايب وشلاتين، إلى جانب الاتهامات التي طفت على السطح أخيراً بإيواء القاهرة للمعارضة السودانية، إضافة إلى تباين المواقف بشأن قضية بناء سد النهضة الإثيوبي. ويرى فانوس أن هذه القضايا برزت بشكل واضح خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب الأوضاع غير المستقرة التي شهدتها مصر، وأضاف «هذه التحديات وقفت عائقاً أمام تطور العلاقات بين البلدين، لا سيما في مجال التبادل التجاري وفتح المعابر بين الدولتين». ويشير فانوس إلى أنه برغم بعض الأصوات السودانية المقربة من الحكومة ممن تؤيد جماعة «الإخوان» تجاه أحداث في مصر، فإن الموقف الرسمي المعلن هو عدم التدخل في الشأن الداخلي المصري والقبول بإرادة الشعب المصري، إلى جانب اتصال البشير بالسيسي مهنئاً. كما أن هناك وفداً رفيعاً سيشارك في مراسم تنصيب السيسي يقوده النائب الأول للرئيس السوداني بكري حسن صالح، وتوقع أن تتوافق إرادة الدولتين خلال الفترة المقبلة على إزالة ما علق بالعلاقات. ويذهب في الاتجاه ذاته الناطق الرسمي باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني إبراهيم الميرغني، إذ رأى في تصريح ل«الخرطوم» أن أهم التحديات أمام حكومتي البلدين يتمثل في إمكانية تغليب المصلحة الوطنية على الانتماء الأيديولوجي والتنظيمي، إلى جانب إيجاد تسويه لقضية حلايب وشلاتين، إضافة إلى إمكانية أن يؤدي السودان دوراً توفيقياً قائماً على الحياد الإيجابي في موضوع سد النهضة، وحتي يتحقق ذلك يشير الميرغني الي ضرورة تغيير نمط وعناصر اتخاذ القرار السياسي في البلدين ليكون أكثر واقعية وعملية. ويلحظ المراقب لتطورات العلاقة فيما بين السودان ومصر أن أس الأزمة المكتومة التي تقف في وجه التقدم الأكثر إيجابية في علاقات البلدين يتمثل أبرزها بحسب ما لخصه المراقبون حول تباين وجهات النظر بشأن سد النهضة الإثيوبي سيما بعد إعلان السودان رسمياً تأييده لقيام السد من خلال تصريحات رئيس الجمهورية، الشهيرة في سبتمبر من العام الماضي حيث أكد أن ذلك ليس موفقاً سياسياً ولكنه للفائدة التي سيحققها السد لدول الإقليم، ما يتناقض مع الموقف المصري الذي يعتبر السد مهدداً الأمن مصر المائي. أما منطقتا حلايب وشلاتين المتنازع عليهما بين مصر والسودان منذ عام 1995م، ظلت وطيلة هذه الفترة تمثل صداعاً حاداً يعاود الألم كلما ساءت العلاقة بين الدولتين، وبتت القضية من أكثر الملفات التي تقف حجر عثرة أمام عودة المياه بين الجارين إلي مجاريها الطبيعية، خاصة أن هناك أصواتاً داخل السودان تطالب بحسم الملف الذي يعتبروه انتقاصاً للسيادة الوطنية. علي كل فإن هناك عدة قضايا شائكة وملفات معقدة لا تحتمل المسكنات تقف في وجه علاقات دولتي وادي النيل تتطلب بحسب المراقبين وقفة جادة وإرادة مشتركة تتسامي فوق الصغائر وتضع الأساس لعلاقات تقوم علي الاحترام والمصالح التي يدغدغ بها مسئولو البلدين عواطف شعبيهما دون أن يكون لها انعكاساتها المباشرة علي مسار التعاون. الأمر الذي يضاعف العبء علي حكومة السيسي الجديدة وبذات القدر يتطلب من الحكومة السودانية أحداث تغيير في سياستها الخارجية سيما مع دول الجوار القريب. صحيفة الخرطوم طارق عثمان