أولاً نحمد الله تعالى أن بلغنا هذا الشهر المبارك، وإن كنا لا نعلم بالطبع هل نكمله أم يحين الأجل المحتوم، لكن يبقى الأمل هو أن يتقبل الله صيامنا وأن لا يكون مجرد جوع وعطش، بلا أجر، كثيرون منا يتلهفون لبلوغ هذا الشهر المعظم وصيامه وقيامه، ويطمعون في أن يكون كفارة لهم ورحمة ونوراً وهداية وتبصرة، لكن أيضاً هناك من يثقل عليه الصيام ولا يستقبله بترحاب وارتياح، ومن ثم قد يبحث عن الأعذار التي تعفيه من صيامه، وإذا صام تغيرت طباعه من جزع وعدم قدرة على الصبر والتحمل، فتجده سريع الغضب مقطب الجبين يتلهف لمغيب الشمس بدلاً من الذكر والاستغفار وقراءة القرآن. ذلك كان عن صيام الأفراد فماذا عن صيام الحكومات؟ وقد يكون السؤال غير مألوف، بيد أننا نعني صياماً من نوع آخر في هذا الشهر المبارك، فالصيام الذي نعنيه ليس جوعاً وعطشاً، إذ أن المطلوب من كل حكوماتنا الإسلامية في هذا الشهر المبارك، أن تراجع خطواتها منذ أن جلست في سدة الحكم سواء كان عن طريق الانتخابات أو عبر دبابة في جنح الظلام، فهل بسطت العدل بما يكفي بشفافية التقوى وليس بحسابات السياسة؟ وماذا فعلت لشكاوى المظلومين والمحرومين عبر قرار جائر أو غير مدروس. كم من الآبار أو من مياه الشرب النقية كان من الممكن أن توفرها لكنها عجزت عنها بخلل الأولويات ودواعي التثبيت؟ وكم من مدرسة كان من الممكن إنشاؤها بدلاً عن مدارس مبنية من الرواكيب أوفصول بلا سقف أو كهرباء؟ كم من المرافق الصحية المكتملة في بنياتها ومعيناتها لم تشيَّد وإذا شيدت باتت مجرد مباني جميلة تستجدي المعدات أو تفتقد العلاج الميسر للفقراء أواليد الحانية للمرضى؟ كم عدد الحكومات في المنطقة التي بسطت ذراعيها لرعيتها الفقيرة، علاج مجاني وتعليم غير مكلف وجناح رحيم يظلل الهائمين بلا أرض؟ كم من الحكومات التي أتاحت فرص العمل العادلة لأصحاب الكفاءة قبل الحظوة والثقة؟ كم من الحكومات تستمع بحاسة القلب الرحيم ضياع الصبية المشردين وأنين الجوعى المتعففين والباحثين في أكوام النفايات وبقايا المطاعم؟ وفي هذا الشهر المبارك هناك دماء تسفك في المنطقة بعضها بواسطة معارضين انتهازيين مدفعين بامتلاك السلطة أو مهوسين يبحثون عن تحقيق حكم الله في الأرض، بينما هم يخرجون من الدين كما تخرج الشعرة من العجين، وها هو جيش الأسد في سوريا يحدف البراميل المتفجرة على رؤوس السكان ويقتل الأطفال والنساء، ويهدم البيوت ووسط شلالات الدماء ومع ذلك فهو يريد استنساخ حكم جديد بشرعية مسروقة مدبوغة بالدماء. وفي كل يوم يمر في عالمنا الإسلامي والعربي يخرج زوار الفجر لمصادرة حرية أفراد صدعوا بالحق ليحتفل بهم الزبانية في المعتقلات، تعليقاً في السقف وصعقاً بالكهرباء وضرباً بالسياط باسم الحفاظ على الدولة وما دروا أن الدولة لا تبنى إلا بالعدل وتحقيق مرضاة الله والتمسك بهدي رسوله الكريم الذي هو وحي يوحى، لكنهم غافلون عن مصيرهم، فالله حرَّم الظلم على نفسه وأن الموت أقرب من حبل الوريد. وفي كل يوم يمر في منطقتنا تخرج رصاصة غادرة في جنح الظلام أو سيارة قاتلة فتسحق روحاً بريئة لم تقل إلا الحق، و مع ذلك فإن هؤلاء الحكام ينومون قريري العين والزبانية يضحكون، حتى يأتي القدر بغتة فالحكم مثل الموت والميلاد له ساعة محددة لا تتأخر بفضل قوة الحكومات ولا بأجهزة تنصتها ولابقوة مراقبتها ولا بقدرتها على الاختراق، ولهذا فإن الأيام دول بين الناس بقدر الله النافذ فمتى تصوم الحكومات؟