استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    مناوي ل "المحقق": الفاشر ستكون مقبرة للدعم السريع وشرعنا في الجهود العسكرية لإزالة الحصار عنها    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    السودان يطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة العدوان الإماراتي    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى الإنقاذ.. إبراهيم السنوسي يكشف أسراراً لأول مرة «1-3»
نشر في الانتباهة يوم 30 - 06 - 2014

ملامح معلومة للجميع شكلت الأفق السياسي السوداني ولدت معها حالة من عدم الاستقرار لتجارب الحكم الوطني منذ الاستقلال، والتي لم يحالفها التوفيق في أن تبقى أو أن تستقر هي نفسها أو أن تستقر البلاد، فأصبحت هذه الدائرة الشريرة «انقسامات - تمرد - انتفاضات وانقلابات»، فدار السودان في فلك هذه الدائرة الجهنمية ردحاً من الزمن، وهكذا في تجربة الحكم العسكري الأولى التي نسبت إلى حزب سياسي معين «انقلاب عبود»، ثم التجربة العسكرية الثانية في مايو 1959م «انقلاب جعفر نميري» والتي قدمت ثلاثة أنواع من التجارب السياسية، حُسبت على اليسار في بدايتها، ومضت نحو الوسطية في مرحلتها الثانية، ثم انتهت يمينية في أواخر عهدها، فلازم في كل تلكم التجارب عدم الاستقرار واقع السودان، وما بين التجربة الديمقراطية الثانية والثالثة بلغت الأحزاب السياسية في السودان من حيث العددية أرقاماً وصلت الى حد الخرافة وما زالت.
حكومة الثلاثين من يونيو بدأت بحسب مراقبين ومشاركين بملامح مختلفة ولكنها من ذات المنابع «المؤسسة العسكرية»، هكذا عُرفت الإنقاذ في بدايتها كتيار ولكنها بدأت من بعد ذلك تسلك الطريق نحو ما هو أشمل في طريق الحكم الوطني.
مساحة من الحوار جمعتنا بالمسؤول العسكري في الحركة الإسلامية قبل الإنقاذ الشيخ إبراهيم السنوسي السياسي المخضرم، الذي كشف لنا الكثير المثير في ذكرى الثلاثين من يونيو، وتفجر الثورة بداية بالفكرة ثم التخطيط والتنفيذ، الرجل بحكم موقعه السياسي الكبير في الديمقراطية الثالثة وقبلها كشف الكثير من الأسرار والحقائق التي تنشر لأول مرة في هذا الحوار الذي نتناوله على حلقات. حيث بدأنا هذه الحلقة بالسؤال:
مذكرة القوات المسلحة الشهيرة التي سبقت انقلاب الإنقاذ لم تكن تستهدفكم صراحة ومباشرة كجبهة إسلامية قومية، فلماذا تخوفتم منها وعجلتم بالانقلاب؟
أبدأ وأقول هنا أنه لولا مذكرة القوات المسلحة ولولا تردد الصادق المهدي الذي كان وقتها رئيساً للوزراء وخشيته من المقاومة لما جاءت الإنقاذ بالمرة، فما كان لنا أن نقبل بأن نُلدغ من جحر الانقلابات السابقات، بدءًا بانقلاب الجنرال عبود ومباركة السيدين وقتها وختمها جعفر نميري بانقلابه الذي جاء بتأييد الشيوعيين وأخريات نعرفها مستترات قادمات، فما كان لنا أن نقبل بأن يكون الفريق أول فتحي أحمد علي في مكان السيسي ونكون نحن في مكان مرسي، ما كان لنا أن نقبل أن نذل ونستباح، كلا وكلا والبادئ أظلم، قفص الاتهام لمن قاموا بالانقلابات يسع الجميع وأشمل، أنت لا تعلم أن هناك عشرة انقلابات قامت من قبل في السودان سبعة منها وثامنتها هي يوليو 1976م كانت ضد الأنظمة العسكرية المستبدة الحاكمة، اثنان منها أجهضت الديمقراطية وهي سبقت الإنقاذ منها انقلاب عبود وانقلاب مايو، فكلاهما انقلب على الديمقراطية وأجهضها، خمسة من الانقلابات التي سبقت الإنقاذ في السودان كانت بدافع شخصي وراء الحكم، هكذا كان المناخ في السودان، فالإنقاذ لم تكن هي السابقة الأولى للانقلابات في السودان والسوابق كثر، في إفريقيا أكثر من ثلاثين دولة إفريقية وآسيوية وانقلاب في أمريكا اللاتينية، كانت هذه الانقلابات العسكرية التي قامت ضد أنظمة عسكرية أو ديمقراطية أجهضتها كانت تحت ستار أنها تريد التحرر من الاستعمار وأنها تريد أن تحارب الفساد، فانقلبت هي الى أنظمة فاسدة مستبدة.
والآن حينما تجدد الذكرى يتشوق الكل لمعرفة ما إذا كانت هناك أسرار لم تتكشف بعد فيما يختص بدواعي ذاك التغيير الذي حدث، ويتجدد السؤال لماذا جاءت الإنقاذ؟
لقد سبق الإنقاذ أكثر من عدة انقلابات في العالم العربي، ففي مصر نجد انقلاب 32 يوليو الذي كان بقيادة محمد نجيب الذي أطاح به جمال عبد الناصر والذي أصبح فيما بعد قدوة لكل الانقلابات التي حدثت في العالم العربي، في العراق وسوريا والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا ولبنان، فما كان السودان شاذاً من تلك الدول العربية ولا من تلك الدول الأفريقية، وما كان الانقلاب في تلك الأوقات في الخمسينات والستينات، أمراً غير مقبول أو غير معهود ولا مرفوض، بل أن الذين كانوا يقومون بالانقلابات يصبحون أبطالاً كما حدث في مصر عندما أصبح عبد الناصر بطلاً، وفي إفريقيا نكروما، هذا غير الانقلابات العسكرية في الأنظمة الديمقراطية بطريقة سرية وغير مباشرة إذ يحكمون العسكر من وراء شخصيات ترمز الى الديمقراطية ولكنها ألعوبة في أياديهم، يُسيرون بها النظام السياسي في عدد من الدول والشواهد هنا كثيرة، هذا هو أمر الانقلابات التي سبقت الإنقاذ، فإذن مجيء الإنقاذ كانقلاب لم يكن أمراً شاذاً لا في المناخ الذي كان يومها ولا في القارة الإفريقية، ولا في القارة الآسيوية ولا في أمريكا اللاتينية.
إذن المذكرة كانت سبباً آخر في التغيير أليس كذلك؟
حقيقة الشيء الثاني الذي كان وراء مجيء الانقلاب كما قلت لك هي مذكرة القوات المسلحة، هذه المذكرة التي جاءت في فبراير من القائد العام للقوات المسلحة وقتها ووقع معه بضعة مئات من الضباط في القوات المسلحة، يطلبون من رئيس الوزراء الصادق المهدي حل حكومة الوفاق التي كنا فيها نحن الإسلاميين تحت اسم الجبهة الإسلامية القومية وإخراج الجبهة الإسلامية من الحكم وإلغاء الشريعة الإسلامية، وليس فيما قلت إنها لم تكن موجهة لنا بالاسم.
لكن هي لم تنص أيضاً صراحة على إلغاء الشريعة وفقاً لما ورد في مطالب المذكرة، فعلام استندتم في هذه المخاوف كجبهة إسلامية قومية؟
نصت على ذلك، لأن التفاوض من بعد ذلك قد بدأ مباشرة مع كوكادام لإلغاء الشريعة الإسلامية، وكان ذلك هو أصل الخلاف بيننا وبين اليساريين عامة، فتم حل الحكومة وأخرجنا منها، وتكونت حكومة القصر، وحكومة القصر كانت كلها من اليساريين والشيوعيين وكانت تريد التفاوض مع الحركة الشعبية آنذاك لإلغاء الشريعة في كوكادام، وبالتالي ما كان يمكن أن نقبل الدخول في هذه الحكومة «حكومة القصر» التي ما كنا نرى من سبب لحل الحكومة التي سبقتها «حكومة الوفاق»، وما كنا نرى من سبب لتغيير منهج الحكومة التي دخلتها الأحزاب الثلاثة الأمة والاتحادي والجبهة الإسلامية وذلك على منهج الشريعة، فنحن دخلنا الانتخابات بتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا هو برنامجنا ولذلك ليس صحيحاً حينما تقول إن المذكرة لم تمسكم، فهي «مذكرة القوات المسلحة» قد مست برنامجاً أصلاً وايضاً مست برنامج الصادق المهدي الذي دخل الانتخابات تحت برامج الصحوة الإسلامية، وايضاً مست محمد عثمان الميرغني الذي برنامجه كان هو الجمهورية الإسلامية، ولذلك كان البرنامج المحدد من الأحزاب الثلاثة هو السير نحو منهج الإسلام، ولذلك عندما نقول أين كان الاستهداف نرى أنه كان للمبدأ والمنهج الذي دخلنا به الانتخابات ولم يكن الاستهداف لأشخاص، وما كنا يمكن اصلاً أن نقبل الدخول في حكومة «حكومة القصر» ونحن نتساءل لماذا تم حل الحكومة السابقة، فبمقتضى المذكرة تم حل الحكومة «حكومة الوفاق» وأصبحنا في حل من كل التعاقد الذي كنا فيه من قبل، فتعاقدنا مع حكومة الوفاق هو أن نعمل في الديمقراطية وفي السير نحو الشريعة الإسلامية، وإذا تم تغيير أهداف الحكومة ومن ثم تم حلها يكون تعاقدنا معها قد انتهي.
لماذا لم تعطوا أنفسكم «كجبهة إسلامية» فرصة لاختيار المقاصد الأخيرة للمذكرة، وذلك عبر المشاركة في حكومة القصر التي تمت الدعوة لكم بالمشاركة فيها؟
مذكرة القوات المسلحة لم تكن تمثل كل القوات المسلحة، فمن قال إن الذين كانوا في القوات المسلحة هم جميعهم ضد الجبهة القومية الإسلامية، بل بالعكس القوات المسلحة يومها كانت مع الجبهة الإسلامية القومية لأننا نحن الذين وقفنا معها قتالاً، ونحن الذين كنا نطالب بكل تجهيزاتها بل وتقدمنا وقتذاك بالتبرع بسياراتنا عندما كنا أعضاء في الجمعية التأسيسية، وكنا وقتها 52 نائباً فرفض الصادق المهدي هذه المبادرة وأصدروا قراراً بعدم قبول هذه الفكرة، فمن قال إن القوات المسلحة كانت ضد الجبهة الإسلامية ونحن قد طفنا على مواقعها المتعددة، وطاف يومها علي عثمان الذي كان زعيماً للمعارضة على كل القوات المسلحة ووقف على أحوالها، من قال إن ضباط القوات المسلحة كانوا ضد الشريعة الإسلامية، وكم يساوي العدد الذي وقع على المذكرة من عدد ضباط القوات المسلحة ومجموعهم، ومن قال إن ضباط القوات المسلحة هم ضد الإسلام، فكانت هذه حفنة فقط من الضباط تريد فقط أن تفرض رأيها على بقية القوات المسلحة.
ولذلك نحن قلنا هذه المذكرة لا تمثل القوات المسلحة أصلاً فتلك المجموعة التي وقعت نحن نعرفها بالاسم، فهم ضباط كانوا شيوعيين ويساريين يريدون الانقضاض وإيقاف مسيرة الشريعة الإسلامية، فهذه المذكرة كانت لا تمثل وجهة القوات المسلحة، وإذا كان هنالك ضباط يساريون فإن هناك ضباطا إسلاميين، وبالتالي أقول إن المذكرة كانت هي سبباً في السعي للتفجير بأن الإنقاذ تأتي، وأنا قلت لولا مذكرة القوات المسلحة بهذه الصورة التي ذكرتها ولولا تردد الصادق المهدي وخشيته من المقاومة لما جاءت الإنقاذ.
هل تعني أن الصادق المهدي لم يتصرف مع المذكرة بالصورة الحاسمة المطلوبة؟
الصادق المهدي كان يمكن أن يرفض مذكرة القوات المسلحة ويرد على أهل المذكرة بأنكم أنتم لستم أوصياء على الحكم الديمقراطي النيابي وموقعكم في ذلك الوقت ان تحافظوا على الثغور وعلى حدود السودان وليس أن تفرضوا آراءكم على الحكومة التي أفرزتها انتخابات نزيهة.
إذا كان هذا هو موقف الصادق المهدي، فماذا كان موقفكم منه وقتذاك؟
أنا كنت يومها الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية بالإنابة، وبعد أن قرأت المذكرة وتحدثت مع الصادق المهدي فقلت له إن هذه المذكرة إنما هي انقلاب، فهي تُعطي رئيس الوزراء مهلة أسبوع، فأي جيش في العالم يُعطي رئيس الوزراء المنتخب مهلة أسبوع لأن يحل الحكومة ويُخرج طائفة منها، فهذا كان من الواضح أنه انقلاب ولذلك قلت للصادق المهدي إننا يجب ألا نستسلم بل نقاوم فقال لي نحن لن نقاوم، فالحوار دار بيني وبينه كثيراً هنا حتى يتم التنسيق بيننا كقوى سياسية لمواجهة المذكرة ومقاومتها لكنه رفض، فقال إذا قاومنا سيحدث هناك سفك للدماء، فقلت له لا نحن لا نواجه القوات المسلحة لا بمظاهرات ولا مصادمة ولكن نحن كأحزاب ثلاثة الأمة والاتحادي والجبهة الإسلامية ندعو قواعدنا إلى العصيان المدني، فقال سيعتقلوننا، فقلت له فليكن وبالتالي اتفق معي بأنه سيذهب للقوات المسلحة وسيقنعهم بسحب المذكرة وذهب ولم يقنعهم، وجئنا في اليوم الثاني في البرلمان وكان ذلك يوم 23 فبراير 1989م حيث قدم الصادق المهدي كلمة في ذاك اليوم قال فيها إنه قد أقنع القوات المسلحة بسحب المذكرة ولم يكن ذلك القول صحيحاً، وأنا تحدثت بعده وذاك الحديث مسجل عندي وموجود في البرلمان، وقلت إننا لن نقبل تدخل القوات المسلحة، وإن هذا انقلاب وتحريض من الحركة الشعبية التي كانت تريد أن تستلم الحكم عبر الفريق أول فتحي وعبر اليساريين، وهناك إشارة مهمة هنا في حديثي في البرلمان ذلك عندما قلت إنه إذا كان هناك ضباط في القوات المسلحة لا يريدون الشريعة الإسلامية، فإن هنالك ضباط قادمون سيكونون حصناً للشريعة الإسلامية وسيطبقونها، وكانت تلك إشارة واضحة لأنني كنت من موقعي أعلم أننا قطعاً لن نقبل ذلك بأن إخواننا سينقبلون على هذا الموقف فكانت تلك إشارة لمجيء الإنقاذ ولم يفهم ذلك أحد، فلولا المذكرة وتخوف الصادق المهدي لما جاءت الإنقاذ.
من كان يملك الشارع وقتها كان هو اليمين وأحزابه والذي لكم نصيب وافر منه فلماذا تخوفكم كان من اليسار والذي كان ضعيفا متهالكاً؟
المناخ الذي كان يومها بتلك الصورة فمن الواضح أن اليساريين أدركوا أننا كنا في حكومة الوفاق الحزب الثالث وكان أداؤنا متميزاً، وكان لنا وجود هائل في الشارع وإعلام قوي، فشعر اليسار أننا لو سرنا بتلك النسبة وتلك الطريقة سنكون إما الحزب الأول أو الثاني في الانتخابات المقبلة وقتذاك، ولذلك أرادوا أن يقطعوا علينا خط الرجعة وأرادوا ان يستبقوا أن لا تأتي الجبهة الإسلامية القومية في المستقبل وتفوز في الحكومة، فهذا هو السبب وزيادة على أحد أسئلتك هنا التي تقول فيها لو صبرتم، فما كان يمكن لنا ذلك ولو أنهم هم قد صبروا لكانت الجبهة الإسلامية القومية قد جاءت بالطريقة الديمقراطية وفازت وطبقت الشريعة الإسلامية، ولكنهم هم فهموا ذلك وأرادوا أن يقطعوا علينا خط الرجعة ذلك بأن لا تستمر الحكومة وحتى لا تكون للجبهة الإسلامية شعبية ولا جاذبية، ونحن كنا متأكدين انه لو استمرت الديمقراطية بذلك الأداء القوي من جانبنا والأداء الضعيف من جانب الصادق المهدي وحكومته لكنا قد فزنا بالكثير في أية انتخابات قادمة.
فالصادق قال في البرلمان إن الاقتصاد قد هزمه وإنه قد فشل في هذا الجانب، وبالتالي إذا كان هذا هو قول رئيس الوزراء في الوزارات التي كان يتولاها حزبه ذلك بأن أعلن عن فشله فكان ينبغي عليه أن يذهب، ليس هذا فحسب بل أن نائب رئيس الوزراء الشريف زين العابدين الهندي قال نحن الآن قد فشلنا في الديمقراطية ولو أن الديمقراطية أخذها «كلب لما قلنا له جر»، فإذا ما وصلوا لهذا الأمر اي الفشل في حل المشاكلات فلماذا يستنكرون من بعد ذلك اذا ما أخذنا الديمقراطية نحن بدلا من ان يأخذها كلب، وليس هذا فحسب بل أن الشيوعيين واليساريين عامة هم الذين حرضوا على فشل التجربة الديمقراطية وكانوا آنذاك يساعدون الحركة الشعبية على اجتياح السودان، وكانت الحركة الشعبية وقتها تهدد كل أطراف السودان.
إذن أنت تعرض تفصيلاً وتميط اللثام حول لماذا جاءت الإنقاذ.. أليس كذلك؟
نعم كل ما ذكرته هو إجابة عن السؤال الكبير الذي هو لماذا جاءت الإنقاذ، فنحن أسبابنا منطقية جداً ووطنية وكما قلت لو لم تأت الإنقاذ فالقوات المسلحة كان وقتها لن تستطيع أن تقاتل وذلك للنقص في احتياجاتها، ولذلك فبالطابور الخامس الموجود في القوات المسلحة بقيادة فتحي أحمد علي وبالحركة الشعبية المحيطة بأطراف السودان كان قطعاً سيسقط السودان لا سيما في وجود ضعف الصادق المهدي وحكومته آنذاك وفشلها في استتباب الأمن. ولكل هذه الأسباب مجتمعة كان لا بد لنا أن نتقدم وأن لا نترك السودان، ولو لم تأت الإنقاذ في ذلك اليوم لسقط السودان تماماً أمام الحركة الشعبية ولاجتاح جون قرنق الخرطوم.
فلو أننا صبرنا ولم تأت الإنقاذ لكان موقفنا نحن كما حدث من انقلاب للسيسي وما حدث في الانقلابات في العالم العربي، فكيف كان يمكننا الانتظار حتي يستلم الفريق أول فتحي أحمد علي السلطة، فهذه جميعها هي الأسباب مجتمعة التي دعتنا لأن نأتي بالإنقاذ سلامة للسودان وحفظاً لنا، وكما قلت ما كنا نقبل مرة اخرى ان نُستذل ونُستباح.
هناك من يقول إن الإخوان المسلمين ما كانوا ليفكروا أو يتجهوا لتكوين خلايا في القوات المسلحة لولا دموية نظام مايو، فكيف ترى هذا القول؟
هذا الموضوع لا خلاف عليه وهذا موضوع آخر لكننا الآن ما زلنا في سياق الإجابة لك عن سؤال كيف جاءت الإنقاذ من ناحية الدوافع والتفجير والخلفيات والمناخ، ومن فحوى حديثك ألحظ أنكم ما كنتم ترغبون في أن تأتوا للحكم عبر البوابة العسكرية أليس كذلك؟
الإنقاذ مجيئها بهذه الصورة كان هبوطاً اضطرارياً للأسباب التي سقتها، وكما قلت لك نحن بالديمقراطية تحصلنا على 52 دائرة وأكفأ الوزارات وجودنا في الشارع كان قويا أيضا وإعلامنا كان قويا وحتى الحكومة حينما أرادت أن تعدل الدستور بوجودنا في الشارع وضغطنا الإعلامي لم يستطيعوا تعديل الدستور، فنحن ما كان أمامنا إلا أن ندخل اضطراراً بالعمل العسكري، والعمل العسكري نفسه كان عاملاً جانبياً، لأننا من مبدأ المصالحة الوطنية مع نميري تركنا العمل العسكري، وكنا قبل ذلك في العمل العسكري وكانت بعدة أحداث يوليو 1976م وأنا كنت أحد قادة تلك الحركة وحُكم عليّ بالإعدام وقتذاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.