في نهاية أبريل الماضي عُقد في مدينة استانبول التركية مؤتمر إعلامي دولي عن فلسطين، شاركت فيه قيادات إعلامية من مختلف دول العالم، وهدف المؤتمر إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الإعلامي بعد أن تلاحظ تراجع الانشغال بها في وسائل الإعلام العربية والدولية، وظن البعض أن الأحداث في سوريا وفي بعض بلدان الربيع العربي ستغطي بغلالة سميكة وغبار كثيف هذه القضية ووضعها على الرف تمهيداً لنسيانها وتجاوزها، وما درى الناس أن جذوة القضية المركزية للعرب والمسلمين لن تنطفئ أوراها ولن تضمر بفعل فاعل ولن يزول حضورها مهما تكالب عليها الغريب والبعيد والقريب!! ولأنها قضية حق لا يمكن نسيانه والتخلي عنه، يظل الشعب الفلسطيني الجبار في عمق التحدي والمواجهة، ويظل قطاع غزة هو بوصلة الاتجاه في محيط متلاطم من التناقضات العربية والخيانة لهذا الشعب وللقضية والتآمر عليها، وفي المؤتمر المذكور تحدثت قيادات إعلامية دولية عن أهمية الحفاظ على نار الثورة والمقاومة مشتعلة، وأن العدو الصهيوني سيحاول استغلال الحالة الراهنة في الوضع العربي والتراجعات في بعض بلدان ثورات الربيع واستثمارها للقضاء على المقاومة الفلسطينية، وكسر شوكتها وفرض إرادته على المنطقة، وجر البقية الباقية من الأنظمة الرسمية العربية إلى هاوية التسوية والتطبيع النهائي، بعد فقدان العرب مناعتهم السياسية والفكرية وتمزق بلدانهم، وانكساف الشارع العربي وإحباطاته بعد الذي حدث في مصر وبعض البلدان الأخرى. وظل العدو الصهيوني يظن أنه قد كسب الجولة ضد روح الثورة العربية، وحتى عندما لاحت فرصة للمصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح وتكوين حكومة وحدة وطنية فلسطينية تنهي حالة الانقسام، لم تفكر حكومة نتنياهو إلا في ضربها وفرض الشروط لإلغاء المصالحة، واشتراط عدم مشاركة حماس في أية حكومة فلسطينية مهما كان الثمن، وكانت صفاقة إسرائيل قد وصلت إلى حد أنها هددت بعدم الاعتراف بالسلطة الفلسطينية ووقف التفاوض معها في حال تأليف الحكومة التي تشارك فيها حركة حماس ويتحقق بها الوفاق للشعب الصابر على أرضه المحتلة.. وتناقض الموقف الإسرائيلي حول هذه الحكومة مع الموقف الأمريكي. فلماذا الحرب الحالية على غزة إذن؟ هذه الحرب المجنونة والانتقام المتوحش من الشعب الفلسطيني وسكان قطاع غزة .. سببه الرئيس صمود غزة طيلة السنوات الماضية ووقوفها شامخة رغم الحرب والدماء والاستشهاد والحصار المطبق عليها ونقص الغذاء والأدوية والعناية الطبية والخدمات والوقود.. ولم تنحن غزة ولم ترفع الراية البيضاء ولم تنكسر للصلف الصهيوني، واحتملت غزة ظلم أولي القربى وتحمَّلت كل المؤامرات التي تكسرت نصالها على جسد الشعب المقاوم، وكانت كلما سقط شهيد وشهيدة أو مزق الرصاص جسد طفل وطفلة وهدمت المنازل والمنشآت زادت غزة في صلابتها، وحار العالم في هذه البقعة الصغيرة والأرض المحدودة التي تستبسل وتجابه أعتى قوة حربية غاشمة في العالم لا تلتزم بالأخلاق والقيم ومبادئ القانون وتمارس أسوأ الانتهاكات ضد الإنسانية. ستصمد غزة بإذن القاهر الجبار أمام هذه الجائحة والموجة الجديدة من القصف والدمار وآلاف الأطنان من المتفجرات والحمم التي تلقيها الطائرات الصهيونية، لكنها في ذات الوقت تعطي الدرس لمن يريد أن يتعلم، فالقوة مهما فعلت والصلف والطغيان والظلم وإن طال فهو إلى زوال.. الشباب الفلسطيني المجاهد الذي لا يملك ترسانات السلاح ولا الأسلحة المتطورة ولا الطائرات البوارج.. استطاع مواجهة آلة الحرب الصهيونية وإذلالها، ومرَّغ الأنف الإسرائيلي في التراب، وهو وحده في هذه المعركة.. لم تتحرك الجيوش العربية لنصرته ولم تمده الأنظمة العربية برصاصة ولا جرعة ماء ولا علبة دواء.. يقاتل بإيمانه وثقته في الله الذي يسدد رميه ويثبته فإما شهيد أو منتصر.. ولسان الحال يقول مع الفيتوري للأنظمة العربية: لمن إذن تلك الأساطيل التي يبنونها في البر أو في البحر أو في الجو للنازية السوداء.. أم للمشي فوق جنازة الوطن القتيل!!