الدامر وخلاوي المجاذيب كلها تعرف عمر الأنصاري ذلك الذي ولد كفيفاً ولكن للَّه في خلقه شؤون ورغم أنه كفيف حفظ القرآن برواية الدوري وغيرها على يد الشيخ ود الطاهر بل وتعلم وصار عالماً يشار إليه وحينما يقف ليوعظ الناس بما قال اللَّه ورسوله نجد أغلب السامعين يبكون ولشيخنا عمر هذا أشياء غريبة لديه عصاة قصيرة من الخشب يحملها في يده وينقر بها على أذنه اليمنى كأنها تكلمه وحينما يتحرك إلى السوق ليصل إلى الجزارة وسوق الخضار يمر بمنتصف السوق بالشارع الرئيسي من المسجد ويأتي عند أول دكان وهو ماشي يقف عنده كأنه يراه قائلاً السلام يا عمنا مصطفى جيب اللَّه وبعده دكان مجذوب عبد اللَّه حسن ودكان عبد الرسول أحمد خليل ودكان مجذوب عبد اللَّه سلم عليهم بالاسم كأنه يراهم وهو سائر في طريقه يسلم على هارون عثمان أغا وعبيد مبروك وود الزمراوي كلهم باسمائهم وينقر عصاته ويرفعها على أذنه كأنها تحدثه بهذه الأسماء ثم يسير إلى أن يصل إلى الجزارة ويقف أمام جزارة بالذات ثم يذهب إلى سوق الخضار وكل من قابله يمسك يده قائلاً له أهلاً يا فلان هكذا كان شيخنا عمر مبصراً أكثر من المفتحين وأذكر أننا في أوائل الأربعينيات «الحرب العالمية الثانية جينا طلبة بمدرسة الدامر الأولية» وكنا نجتمع مع شيخنا عمر في الشارع ونحن مجموعة من طلاب الحي وكان يوجد راديو بنادي الموظفين «نادي الحكومة ووجهاء البلد» وكانت تذاع أخبار العالم وأخبار الحرب من إذاعة لندن وكانت هي الإذاعة الوحيدة المسموعة في العالم ويقوم شيخنا عمر يذهب إلى نادي الموظفين ويجلس قرب النادي «بالحيطة ونسمع إذاعة لندن كلها ثم يأتي إلينا ليتلو علينا النشرة من أولها إلى آخرها بكل أخبارها العالمية وكنا نستغرب لهذا الذكاء وهذا الفهم المتمكن وهكذا ظل شيخ عمر معجزة يتحدث بها ويقول العامة في أحاديثهم عنه القلب بشوف وتمضي الأيام وتفتقد شيخ بينا وسألنا عنه قالوا إنه ذهب إلى أم درمان للمعهد العلمي وذات مرة كنت مع أهلي بأم درمان في حي ود درو والدنيا رمضان وقلت أتمشى قليلاً وأذهب إلى حي أبو روف القريب من ود درو لأشاهد النهر واستحم فيه لأن الدنيا كانت سخانة ورمضان حار وأنا في طريقي شاهدت عمر الأنصاري يتوسط شخصين وهم سائرون وتوقفت لأسلم عليه ولمدة ثلاث سنوات لم أشاهده وقلت أسلم عليه وأضعه في امتحان ولما وصلوا لي هو ومن معه وأنا صامت لم أرفع السلام. وصفت يدي وأنا صامت فما كان منه إلا أن رفع عصاته الخشبية ووضعها على أذنه اليمنى ومسح على يدي بيده قائلاً أهلاً أخونا العمدة وهنا بعد ذلك سلمت على الذين معه وسألته عن أحواله وأصلاً كنت أؤمن بأن شيخ عمر كفيفاً مبصراً وزاده اللَّه علماً وتقوى وهكذا كان عمر الأنصاري وهو أصلاً كما سمعنا من منطقة الجبلاب شرق المتمة بمركز شندي وقدم والده للدامر عاملاً واستقر مع المجاذيب بخلاوي شيخنا محمد الأمين عبد اللَّه النقر ومعه إخوانه وكثير من الناس يظنون شيخ عمر الأنصاري من السادة المجاذيب هو فقط قدم والده من الجبلاب وتربوا ناس عمر وإخوانه بحي المجاذيب بين الخلاوي والقرآن وهكذا شيخنا عمر ينطبق عليه الحوار الذي غلب شيخو وفي تقديري إنه رحل للدار الآخرة في أوائل الخمسينيات ورحل شيخنا عمر قرآناً يمشي على الأرض وما زال صدى صوته وهو يرتل آي الذكر الحكيم يرن بين أهل الدامر وكم كان تالياً وكم كان ذاكراً عليك الرحمة والرضوان والبركات شيخي وصديقي وحبيبي عمر إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين وسلام عليك في تلك الدار التي لا تر فيها الاباطيل وتحياتي لكم من دامر المجذوب بلد التقابة والقرآن التي أنجبت أمثال عمر الأنصاري والسلام.