رباب علي: تحمل الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس حزب الأمة القومي إلى العاصمة الفرنسية باريس، العديد من الدلالات والأبعاد المختلفة، خاصة أنها امتداد لخطوات سابقة قامت بها د. مريم المهدي عبر مشاركتها منتصف الشهر الماضي في لقاء مع نواب البرلمان الأوروبي بمدينة استراسبورغ الفرنسية لمناقشة سبل تحقيق السلام في السودان، ونداؤها بدعم الحل السلمي للنزاعات المسلحة فيه سعياً للتحول الديمقراطي. ويعد هذا اللقاء الأول الذي يجمع المهدي بقادة الجبهة الثورية السودانية المتمردة بدارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق للنقاش حول الحوار الوطني وسبل تحقيق السلام والتغيير الديمقراطي، بعد محاولته في شهر أكتوبر من العام الماضي الالتقاء بها في كمبالا، إلا أن السلطات اليوغندية لم تمنحه تأشيرة الدخول. التوقعات بأن يفضي الاجتماع الأول من نوعه بين الأمة والثورية منذ تأسيسها إلى التوقيع على إعلان مشترك حول الحوار الوطني ومتطلباته والعمل سوياً من أجل قيام حوار حقيقي يقود لتغيير شامل وتوحيد مواقف القوى الوطنية حوله، آمال كشف عنها رئيس اللجنة الإعلامية بالمكتب السياسي لحزب الأمة القومي عبد الحميد الفضل بقوله إن زيارة المهدي لباريس تعبر عن خط يجب أن تؤيده الحكومة والأحزاب السياسية تحت ظل المنعطفات الخطيرة التي يمر بها السودان، وقال خلال حديثه للصحيفة إن حزب ينادي بوضع السلاح، والدليل أن أول دعوة وجهها المهدي للجبهة الثورية أن تقوم بوضع السلاح وتدخل للمفاوضات، وأن الحوار هو طريق الخلاص، ولذلك اعتقد والحديث للفضل أن تجد رحلة المهدي التأييد من الوطني والأحزاب السياسية المعارضة المسلحة منها وغير المسلحة للجلوس للحوار السلمي. والصادق المهدي حتى وقت قريب كان أكثر فاعلية داخل التحالف المعارض، ويسعى لتوحيد المعارضة والحركات المسلحة في إطار ما يسميه الحل السياسي الشامل، وزيارته لباريس تعد تأكيداً لحديثه الذي أطلقه في 15 أكتوبر الماضي بقوله إن القوى المعارضة مستعدة للقاء الجبهة الثورية تحالف الحركات مسلحة حال التزامها بنهج الكفاح السلمي. إلا أن هذه المواقف جعلت النظام الحاكم يسلط الضوء عليها كثيراً عبر تعبير العديد من قياداته وتأكيدهم بعلمهم أن بعض الأحزاب المعارضة تتبنى برامج الجبهة الثورية، وأنها تهديدات خطيرة تستحق أن تؤخذ على محمل الجد، وأصبح موقف المهدي بعد رفضه الدخول للحوار الوطني أكثر تهديداً للحزب الحاكم، وحينها رفعت من أسهمه داخل التجمع المعارض، وهي لمحة وصفها الفضل بأن أسهم المهدي ما زالت مرتفعة منذ قيام ثورة الإنقاذ الوطني وحتى الآن عبر مواقفه المتواصلة وليس لمواقف بعينها كما يقول البعض. التحرك المفاجئ الذي قام به المهدي في ظل الراهن السياسي من خلافات أصابت كيان آلية الحوار، ورفض الحكومة لأي شروط مسبقة تقدمت بها الآلية سواء المتعلقة بتأجيل الانتخابات أو تلك التي تصب في قيام حكومة انتقالية مؤقتة لتسيير شؤون السودان بعد قيام الانتخابات لمدة عامين، حدت بالمحلل السياسي د. نصر الدين الدومة بالتعليق على أهمية التحرك السياسي لكل القيادات السياسية الوطنية في هذه المرحلة، وقال إنها تحركات مطلوبة من الجميع بحكم الواجب الوطني من جانب، ووصف زيارة المهدي بأنها تصب في جانب المنطلقات والقناعات التي يتحرك بها المهدي والتي هي معروفة ومحددة بضرورة حل مشكلات السودان عبر الحوار، وهي مواقف تأذى منها كثيراً، ووصف بأنه مهادن للنظام، والجانب الثالث والحديث للدومة هو ما يتعلق بمشكلات الحوار الوطني وما حدث فيه من انتكاسات واضحة أدت إلى هذه التحركات، وما يحدث كذلك من الضفة الأخرى من المعارضة الخارجية والحركات المسلحة وما أبدته من موافقة مبدئية على المشاركة في الحوار، والتي قد يلعب فيها المهدي دوراً إيجابياً في توحيد الرؤى، إلا أنه استدرك بأنها تحتاج إلى دعم من الحكومة بتحركات جادة وواضحة لتحريك عجلة الحوار بشكل جاد وقوي. الهمس الذي يدور مستهجناً لقاء المهدي بقادة الجبهة الثورية بباريس والتي تحمل معالم خفية، فسرها بعض المراقبين بأنها تسير في طريق المصلحة الحزبية للدخول في الانتخابات ولتثبيت القاعدة الجماهيرية للحزب داخلياً وخارجياً في ظل التحركات الماكوكية أخيراً. بينما نحا الدومة إلى جانب أن انعدام الثقة بين القوى السياسية أوجد ميادين متعددة للصراع السياسي تمثلت في الصراع الداخلي بين الأحزاب، والذي وصفه ب «الناعم»، وكذلك المشهد الخارجي الذي يسعى لتدويل الحوار لعدم الثقة في الحكومة وللضغط عليها دولياً، أيضاً هناك الصراع القانوني بهدف تضييع الوقت على الحكومة حتى تدخل في أزمة دستورية حينما تنتهي الشرعية القانونية للحكومة، وهو ما جعلها تدير المعركة من خلال تحريك ملف الانتخابات.