بالعودة لما تطرقنا له أمس الأول تحت عنوان «حكاية المهدي مع القوى المتمردة في مناهضة مسلحة للسلطة الراهنة من «الشعبية» إلى «الثورية»!! وذلك في معرض التعليق على الدلالة ذات المغزى البعيد المدى التي ينطوي عليها ويشير إليها ما يسمى ب «إعلان باريس» الذي اقدم زعيم حزب الأمة وكيان الإنصار رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي على ابرامه مع الجبهة الثورية السودانية في العاصمة الفرنسية مؤخراً، تجدر الاشارة لما ورد في الافادة المهمة التي أدلى بها عن سابقة مماثلة السيد مبارك الفاضل المهدي لصحيفة «أجراس الحرية» التي كانت تصدر بالخرطوم في الفترة اللاحقة إبرام اتفاقية نيفاشا للسلام بين الحكومة والحركة الشعبية عام 2005.. حيث كشف حينها أن خروج زعيم الأمة من السودان للانضمام إلى المعارضة في المنفى عام 1996 كان قد تم بناء على نصيحة تولى هو نقلها من زعيم الحركة الشعبية وملهمها ومرشدها في تلك الفترة د. جون قرنق إلى السيد المهدي ووفقاً لما ورد في تلك الافادة المهمة وذات المغزى والدلالة فقد اوضح الراحل قرنق للمهدي حينها ان قوى المعارضة السياسية المتحالفة في المنفى مع الحركة الشعبية المتمردة في مناهضة مسلحة للسلطة، قد اتفقت في ذلك الوقت، وعقب ابرامها لاتفاقية اسمرا حول القضايا المصيرية في السودان عام 1995، على أن تشارك مع الحركة الشعبية في المناهضة المسلحة للسلطة الحاكمة. وترتيباً على ذلك فقد نصح قرنق عبر مبارك الفاضل المهدي حينها بضرورة المسارعة في الخروج من السودان حتى لا يتيح فرصة للحكومة لإتخاذه رهينة لديها والمساومة عليه وتحميله المسؤولية عن المناهضة المسلحة لها من قبل تحالف القوى المعارضة والمشاركة مع الحركة الشعبية في ذلك بموجب اتفاقية اسمرا وسياقها والدلالة ذات المغزى التي كانت تنضوي عليها وتشير إليها حينها كتطور سياسي مثير وله أبعاده على الصعيد الداخلي والمستوى الخارجي الاقليمي والدولي المحيط بالسودان في ذلك الوقت. وكما هو معلوم فقد وافق المهدي على تلك النصيحة التي تلقاها حينها من الراحل قرنق، وسارع في الاستجابة لها والعمل بمقتضاها عبر الخروج من السودان متسللاً إلى دولة اريتريا المجاورة في العملية التي اطلق عليها اسم «تهتدون» ولكن قبول المهدي بالانضام إلى المعارضة المتحالفة في المنفى مع الحركة الشعبية والمشاركة في مناهضة مسلحة للسلطة الحاكمة الراهنة، ووصوله إلى الدول المجاورة في كل من اريتريا واثيوبيا ومصر الشقيقة في ذلك الوقت، سرعان ما أدى إلى تفاقم وتصاعد الصراعات المتفجرة بين الاطراف الفاعلة والمتفاعلة في دوائر واوساط ذلك التحالف للمعارضة السياسية والمسلحة، حيث تزايدت من جهة أولى الخشية من جانب المرشد الختمي زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي السيد محمد عثمان الميرغني رئيس التحالف السوداني المعارض بالخارج في ذلك الحين، من ان يسعى المهدي إلى الاطاحة به ويطمع ويطمح في ان يحل محله كبديل له في موقعه كرئيس لتحالف المعارضة بالمنفى. ومن جهة أخرى فقد دخل السيد المهدي في ذلك الحين في منافسة حادة ومحتومة مع زعيم الحركة الشعبية وملهمها ومرشدها والراعي الرسمي للتحالف السوداني المتحالف معها في المنفى حينها د. جون قرنق، حيث طالب المهدي بالمسارعة في المشاركة الكاملة لتحالف المعارضة في المفاوضات الثنائية التي كانت جارية ومستمرة ومتواصلة بين الحركة والفصائل المنشقة عنها حينها من جهة والسلطة الحاكمة القائمة كطرف محوري في تلك المفاوضات بمعزل عن القوى السياسية الأخرى الممثلة لشمال السودان في ذلك التحالف للمعارضة. بيد ان الحركة الشعبية بقيادة زعيمها ومرشدها وملهمها الراحل د. جون قرنق لم تكن متحمسة أو راغبة في اتاحة مثل تلك السانحة للمشاركة الفاعلة من القوى السياسية المتحالفة معها، بالمنفى في المفاوضات الثنائية بينها وبين الحكومة الراهنة. ونتيجة لذلك، اضافة إلى الانعكاسات الناتجة عن التدخلات المتناقضة والمتضاربة والناجمة من جانب القوى الاقليمية والدولية التي كانت مؤثرة ومتأثرة بها وفاعلة ومنفعلة بما يجري في الشأن السوداني بين القوى الحاكمة والمعارضة المناهضة لها في تلك الفترة، فقد أدى تفاقم الخلافات التي صارت متفجرة ومتصاعدة في اوساط الدوائر والاطراف المتفاعلة في تحالف المعارضة السودانية بالمنفى حينها إلى اقدام حزب الأمة بقيادة زعيم الانصار ورئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي على القيام باتخاذ قرار مثير اتجه فيه في اواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي إلى التخلي عن الاستمرار في مواصلة المشاركة في ذلك التحالف للمعارضة السياسية مع الحركة الشعبية المتمردة في مناهضة مسلحة للسلطة القائمة والعودة إلى ممارسة المعارضة السياسية السلمية من الداخل بموجب اتفاق نداء الوطن المبرم في جيبوتي.