عند ما شرعت أمس في الإشارة لما جرى من الماضي إلى الحاضر في العلاقة بين زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار رئيس الوزراء السابق السيد الصادق والزعيم التاريخي الملهم والمرشد للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة والمؤسسة لنظام الإنقاذ الوطني الحالي د. حسن الترابي، لم أكن أعلم أن د. الترابي قد قام في ذلك اليوم «أمس» بزيارة إلى السيد المهدي في مقر احتجازه الجاري والساري منذ حوالي شهر بسجن كوبر في الخرطوم بحري. وكما ذكرت فإن برزت هذه العلاقة منذ نشأتها في خمسينيات القرن الميلادي المنصرم، وصارت مؤثرة بوطأة شديدة على الأوضاع العامة السائدة في السودان، وما يطرأ عليها من تطورات وتحولات حاسمة وفاصلة. ورغم أنه ليس من المستغرب أن تتم مثل هذه الزيارة من د. الترابي إلى السيد المهدي، وذلك لدى النظر إليها من رؤية إنسانية بحتة، إضافة إلى الأخذ في الاعتبار علاقة المصاهرة الراسخة بينهما منذ مطلع ستينيات القرن الميلادي الماضي عندما تم الزواج في تلك الفترة بين د. الترابي وشقيقة الصادق المهدي السيدة الفاضلة وصال المهدي، إلاّ أن الذي نقوم به في هذه القراءة لتأثير العلاقة بين المهدي والترابي على الحوار الوطني بين المهدي ونظام الحكم الإنقاذي الحالي منذ وصوله إلى سُدة مقاليد السلطة بسيطرة وهيمنة منفردة للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة على النحو الذي قامت به في إقدامها على ذلك بانقلاب مدني وعسكري ثوري عام 1989، إنما يمضي إلى ما هو أبعد وأعمق من مجرد الاهتمام بالآثار الناجمة عن الجانب الإنساني والطابع الشخصي والأسري أو الاجتماعي في هذه العلاقة، حيث أننا إنما نسعى إلى جانب هذا إلى المساهمة والمشاركة في إثارة اليقظة المتقدة والواعية بالمغزى البعيد المدى في الدلالة التي ينطوي عليها ما يجري من تطور وتحول وتغير في هذه العلاقة، وفيما يتعلق بتفسير التأثير الناتج عنها على المحاولات المستمرة وغير المثمرة كما هو مأمول ومرغوب ومطلوب ومرتجى بين النظام الإنقاذي وزعيم حزب الأمة وكيان الأنصار السيد الصادق المهدي، وذلك على النحو الذي كان ينبغي أن يتم في الحوار الوطني الذي ظل يجري بينهما دون أن يصل إلى النهاية المنشودة والنتيجة المرسومة لها من جانبهما منذ العام 1989 وحتى الآن. وفي سياق هذا الإطار للرؤية فقد كنت بالمنفى الطوعي الذي اخترته لنفسي بأسبابي في العاصمة المصرية القاهرة على مدى أكثر من «31» عاماً بدأت في العام 1991 وامتدت حتى العام 2004م، وأثناء تلك الفترة تمت الزيارة الشهيرة التي قام بها د. الترابي إلى العاصمة السويسرية جنيف عام 1999، حيث التقى فيها بزعيم حزب الأمة وكيان الأنصار السيد الصادق المهدي الذي ذهب إلى هناك قادماً من القاهرة لعقد ذلك اللقاء مع الترابي، وذلك بناء على وساطة قام بها بينهما حينها المدير العام للمنظمة الدولية للملكية الفكرية د. كامل إدريس. وكانت الأوضاع السائدة في الأوساط والدوائر القائدة لتجمع المعارضة السودانية المتحالفة مع الحركة الشعبية بقيادة زعيمها الراحل د. جون قرنق في تلك الفترة قد بلغت درجة من الخلافات المتفاقمة والشديدة الحدة والثقيلة الوطأة، حيث كان السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار الذي خرج من السودان عام 1996م لممارسة المعارضة المناهضة للسلطة الراهنة من المنفى يتبنى في ذلك الوقت المبادرة المصرية الليبية المشتركة الهادفة للتسوية بين الحكومة والمعارضة السودانية السياسية أو السلمية والمعارضة المسلحة أو المتمردة، وذلك على نحو لا يفضي إلى ما أدت إليه المبادرة الأخرى التي كان فاعلة وحاصلة على دعم دولي مساند لها، وهي المبادرة المتمثلة في الوساطة التي قامت بها دول الإيقاد وأسفرت في نهاية المطاف وخاتمة الطواف عن فتح المجال لانفصال جنوب السودان كما حدث بالفعل، وذلك لأنها كانت متعاضدة مع الحركة الشعبية وقائدها الراحل قرنق مما أدى في تلك المرحلة لخلافات وصراعات محمومة ومحتدمة بين حزب الأمة والحركة.