ندى محمد أحمد: امتحنت الشهادة السودانية لهذا العام، في المساق العلمي، ليس لشيء سوى أنها تتأفف من المساق الأدبي، لم تكن لها دراية بالتخصص الذي ترغب في دراسته، والنتيجة كم من مقترحات الاسرة التي تقبلها أو ترفضها وفقا لمستوى الأناقة المظهرية للكلية. ما سبق صورة نمطية للكثيرين من ممتحني الشهادة السودانية حيال رؤيتهم لمستقبلهم الجامعي، بجانب نماذج فرض الاسرة على الابناء تخصصا دراسيا لا يمثل اهتماماتهم أو إرادتهم في رسم مستقبلهم، مما يضطرهم لمسايرة الاسرة لبعض الوقت، ومن ثم العودة للامتحان ثانية تلبية لتواجهاتهم الحقيقية، مما يشكل خصما من أعمارهم، بجانب آخرين ينتسبون للكليات المختلفة وفقا لنسبة التحصيل التي أحرزوها ليس أكثر، ومن هذا الواقع المر تشتكي وزارة التربية والتعليم حيث تشير الى أن معظم المنتسبين لكليات التربية لا رغبة لهم تذكر في التدريس، وإن دراستهم للتربية تأتي من منطلق التوزيع الذي يقوم به مكتب القبول وفقا للنسب الملائمة للكليات التي جرى تحديد نسب القبول بها عبر دليل القبول العام للجامعات السودانية، مما يؤثر على تحصيلهم وتأهيلهم لتولي دفة التعليم عقب التخرج. وعندما تطرقت للموضوع سردت الصحفية إنعام عامر عدة نماذج في هذا المضمار، منه أن زميلتهم بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الخرطوم لم تكن راضية عن دراستها، وظلت على هذا الحال الى ان أمضت عامين بالكلية، وفي الآخر عادت أدراجها لتمتحن الشهادة ثانية، وتلتحق بكلية الطب التي تشكل رغبتها منذ البداية، وحاليا تمارس الطب. القصة الثانية التي ترويها إنعام هي ان أحد اقاربها كان يهتم للطب كثيرا بينما أصر والده الطبيب على ان يدرس الهندسة، وبالفعل امتثل الابن لإرادة والده. ولكن بعد ان أمضى عاما دراسيا كاملا عاد للوراء ليجلس للشهادة مرة اخرى ويلتحق بالطب الذي أراد، وحاليا هو بصدد التخصص. وإداركا منها لمخاطر هذا الواقع غير الطبيعي كانت مبادرة منظمة صناع الحياة بالسودان التي صاغتها تحت شعار «حملة ارسم مستقبلك» وهي الحملة الثانية لها في هذا الصدد وتمتد للفترة من السابع الى التاسع من اغسطس الجاري بولاية الخرطوم. وتعريف المنظمة للحملة انها سنوية مكثفة ومتعددة النشاطات، تقدم خدمة إرشادية لطلاب الثانويات والناجحين في الشهادة السودانية المتأهلين للجامعات، وتشمل الحملة الاسر لتمكنهم من ترشيد قرار الالتحاق الجامعي أما خدمة التوعية هذه فيقدمها متطوعون من الطلاب والخريجين والممارسين بالعلوم المختلفة، وتتبلور أهداف الحملة في تعريف مائة ألف طالب بأهمية وكيفية اختيار التخصص، ورفع الوعي باهمية التخطيط الإستراتيجي الشخصي المبكر للطلاب واسرهم، والمساهمة في صنع توجيهات علمية ومهنية تسد الحاجة وتسهم في التنمية. أما برامج الحملة تشمل تدريب مدربين للمشاركة في المحاضرات والورش التدريبية للمستهدفين ونشر فكرة تدريب الأقران، وعقد ورش تدريبية لابناء العاملين بالمؤسسات وتنظيم معارض متنقلة بأماكن سحب الاستمارات. ولكي تؤتي الحملة أكلها لا بد من الترويج لها في الوسائط الاعلامية الاذاعية والمرئية والصحف، فضلا عن الترويج الالكتروني والطباعي. وكان لا بد للحملة من التواصل المباشر مع الطلاب، وذلك عبر معرض تثقيفي وترفيهي للتفاعل معهم ومناقشة التحديات التي تواجههم في اختيار التخصص الجامعي. قضية التخصص الجامعي بحاجة الى وقفة من قبل وزارتي التعليم العام والعالي ومكونات المجتمع المدني., لان قضية التخصص الجامعي باختصار تعني مستقبل الطلاب. ومستقبل الطلاب هو مستقبل السودان. الآن حان الوقت لأروي لكم هذه القصة الرائعة للتلميذة رماز شمس الهدي إبراهيم التي احرزت نسبة 87% في امتحان الشهادة السودانية للعام 2014 وقررت ان تدرس لغات وتخصص في الانجليزية والفرنسية وعندما اشارت لها والدتها بان تجود لغتها الانجليزية في معهد ما ردت انها لا تحبذ الدراسة فيه لانه انتقل من تدريس اللغة وفقا للمذهب الانجليزي الى نظيره الامريكي، فهي ترى ان المذهب الانجليزي هو الاصل، وبطبيعة الحال لا بد لهذه النتيجة المبهرة من بدايات مماثلة. فرماز منذ مرحلة الاساس مولعة بالادب واللغة الانجليزية، وتكتب الشعر بالانجليزية وفي الثانوي كانت تشاهد المصنفات الانجليزية غير المترجمة لتجويد لغتها. ورماز بصدد خطوتها الاولى بالجامعة ولا تخفي والدتها الاستاذة إنعام بسعادتها بابنتها التي حددت أهدافها بوضوح، مشيرة الى انهم في الاسرة لم يلزموها باي توجه اكاديمي. اذاً اهمية قضية اختيار التخصص الجامعي تقضي بضرورة توجه الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لبث هذه الثقافة في جميع الولايات.. للأخذ بأيدي الطلاب والبلاد صوب الاتجاه الصحيح للمستقبل.