الإرادة السودانية هي الضامن لتنفيذ مخرجات الحوار، استرعت هذه العبارة انتباهي عند الاشارة اليها من قبل المتحدثين في منصة المؤتمر الصحفي الذي عقد اول امس السبت، للاعلان عن خارطة الحوار الوطني. وبالعودة لنص الخارطة المكتوب وجدت النص التالي تحت لافتة ضمانات الحوار «الارادة السودانية هي الضامن الاول لانفاذ مخرجات الحوار»، فكان لابد من استقراء رؤية طرف من الاحزاب السياسية، سواء المشاركة في الحوار اوالممتنعة لمعرفة موقفها من هكذا ضمانات، فضلاً عن جس نبض هذه الضمانات على خلفية الواقع السياسي الراهن. هاجس الشك قبل الوقوف على آراء الاحزاب، تجدر الاشارة الى ان الشكوك التي تعتري القوى المعارضة سواء المسلحة منها او السياسية تجاه وفاء الحكومة باي اتفاق تعقده معها، فاحزاب تحالف قوى التجمع كثيراً ما تتحدث عن قائمة طويلة لا تمل من احصائها، تتعلق بما تراه نقض الحكومة لكل العهود والمواثيق التي توقع عليها، اما قطاع الشمال فلا شك انه لا يزال يجتر ذكرى اتفاق «نافع عقار» الذي نقضته الحكومة بعد التوقيع عليه من قبل مساعد الرئيس انذاك نافع علي نافع، وبشأن حركات دارفور فقد خرج رئيس حركة التحرير مني اركو مناوي من القصر على اثر توقيع اتفاقية ابوجا للحرب ثانية، بعد تصريحه الشهير ان وجوده في القصر لا يساوي مساعد «حلة». أما أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار فلم تنجُ من غائلة الشك هي الاخرى، فها هو حزب الامة القومي عراب الحوار قبل ان تدعو الحكومة للحوار، قد نفض يده من آلية الحوار بعد اعتقال رئيسه الصادق المهدي قرابة الشهر على خلفية تصريحات تتعلق بقوات الدعم السريع، ليعود وينضم لقائمة احزاب المعارضة ذات الشروط، وما لبث ان وقع مع الجبهة الثورية اتفاقية اعلان باريس، التي رفضتها الحكومة وتنبأت لها بالفشل، وقالت انها لا تعنيها في شيء، كما اعتقلت نائبة رئيس الحزب مريم المهدي لدى عودتها للبلاد منتصف الاسبوع الفائت، بينما اعتمد الحزب الاتفاقية في مؤسساته واعلن المهدي من قاهرة المعز انهم «دفنوا الحوار في أحمد شرفي». وبالنسبة لحزب حركة الاصلاح الان بقيادة غازي صلاح الدين العتباني، فدواعي الشك هي التي دفعت الحزب لتعليق مشاركته في الآلية، ليعود ثانية للآلية، وان كان لا يزال غير مطمئن لاستمرارية مشاركته وفق احد قيادات الحزب في حديث سابق لم اطلبه للنشر ولم يمنع اذاعته. ويبدو أن جرثومة الشك لم تقف عند حزبي الامة والاصلاح، فقد انتقلت عدواها لبقية احزاب الالية التي عقدت فيما بينها حلفاً أسمته «تحالف القوى الوطنية»، وفيما يبدو وكأن التحالف بايعاز من الاصلاح، نظراً للتماهي الواضح بين حزبي المؤتمر الشعبي والوطني مؤخراً، فالاثنان رفضا تكوين التحالف، وكذلك اتفقا في رفض اعلان باريس، ولا يدري المرء كيف يصنف تصريح القيادي بالوطني امين حسن عمر الذي قال فيه إن المهدي وقع اعلان باريس لانه يغار من نجومية د. حسن عبد الله الترابي، هل هو من باب تشخيص وتمحيص موقف المهدي؟، ام انه من باب التضامن مع شيخهم الاول وعراب الحركة الاسلامية السودانية؟. ما قد يشير الى ان المؤتمريْن في طريقهما لتشكيل جبهة داخل الآلية. زوبعة في فنجان يوسف صديق الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني، تجاوز السؤال عن ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الى رفض الخارطة برمتها، بقوله انه لا يرى اثراً لشروطهم التي قدموها للمشاركة في الحوار، ومن بينها ان الخارطة لم تفتح الطريق امام الجبهة الثورية، واستفهم عن كيفية مشاركتها وقد تم تجديد احكام الاعدام في مواجهة قادتها قبل عدة ايام، وذهب الى انهم لم يروا شيئاً ملموساً لوقف الحروب الدائرة ولا إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ولا تبدو الحكومة جادة فيما يختص بتغيير القوانين المقيدة للحريات، ولم تتم الاشارة للحكومة الانتقالية، وقال ان المؤتمر الوطني انفرد بحق القرار فيما يتعلق بالحوار، مشيراً الى انه قد عدَّل قانون الانتخابات لوحده وكون المفوضية الخاصة بها وحدد مواعيد الانتخابات، وانتقد رفض الحكومة لاعلان باريس الذي جاء به حزب الامة القومي، وقال ان الامة وهو من اكبر الاحزاب قال انهم دفنوا الحوار في أحمد شرفي، وختم بوصف الوطني بانه يعرض خارج الزفة وان خارطة الطريق لا تعدو كونها زوبعة في فنجان. تباين آراء رأينا أن تكون هناك جهات ضامنة من الخارج لكن الحكومة لم توافق، تلك هي افادة نائب رئيس حركة الاصلاح الان حسن عثمان رزق الذي اضاف ل«الإنتباهة» بان مجريات الحوار لا محالة ستضطرنا لايجاد ضامنين خارجيين، «نحنا كلمنا ناس الحكومة» وقلنا لهم انه في تونس كانت اربعة جهات ضامنة كالاتحاد التونسي للشغل، واتحاد الصناعات، والمحامين، وانجزوا في تونس، وفي جنوب افريقيا كانت المنظمات الدولية كلها ضامنة للحوار بين البيض والافارقة، وجاؤا كمراقبين ووسطاء ثم دخلوا كضامنين، شكلوا عامل ضغط على البيض حيناً وعلى الافارقة حيناً آخر حتى وصلوا لاتفاق. والضمانات هذه مهمة، لكن «نحنا غلبتنا»، ولم نقو على ادارجها ولعل آخرين يتمكنوا من اضافتها. «لولوة» وغَيرة رئيس حزب منبر السلام العادل في اشارة للحكومة قال « الناس ديل هذه هي اللولوة التي يعملوا فيها»، الصادق المهدي توصل الى شيء بينما هم لم يتوصلوا الى شيء، واستفهم قائلاً لماذا لم يتبنوا هذا الاعلان، هذه غَيرة سياسية ليس اكثر، الحكومة تغار من المهدي، يريدون ان يأتي اي شيء منهم ولولا أنزل القرآن على رجل من القريتين عظيم هذه هي المشكلة، فالقرآن لو نزل على ابي جهل لامن به ولانه لم ينزل عليه لم يؤمن به، وبسؤاله عن تقديره للضمانات المطلوبة قال الضمانات تتمثل في قوى دولية تثق فيها الحركات، مثل رئيس الالية الافريقية الرفيعة بقيادة ثامبو امبيكي، والجامعة العربية وشخصيات اقليمية ودولية، وبالتالي يمكن للحركات ان تثق في هذه الضمانات، وفسر ثقة الحركات في تلك الضمانات ان تثق فيها، باعتبار ان الحكومة لا تستطيع ان تخرق اتفاقاً وقع عليه امبيكي مثلاً لانه سيفضحها على مستوى العالم، كما انه سينقل هذا الخرق الى مجلس الامن مثلاً ، ورغم ما تقدم من حديثه الا ان الطيب عاد ليقول، إن الحكومة وافقت على دعوة الاتحاد الافريقي والاتحاد الافريقي لكي يشكلوا نوعاً من الضمانات والرقابة، واردف إذا أرادت الحركات امبيكي كضامن ووثقت فيه، انا اضمن لك انهم لن يعترضوا على ان يعطيهم امبيكي هذا التعهد. وأمن على ان الارادة السودانية هي الضامن للحوار، مشيراً الى اهمية صدق النوايا في الحوار، فالنوايا الصادقة تقود للثقة التي تدفع لانجاح الحوار، وحيال جدوى هذه الضمانة في ظل توجس المعارضة السياسية والمسلحة من التزام الحكومة بمخرجات الحوار، اشار الى ان الضمانات الخارجية لن تخلو من مصالح للضامنين انفسهم، وفيما يختص بالشك قال ان اطروحات الحوار ليست بالامر الهين، وحصول العثرات امر متوقع، واستدرك ليشير الى ضرورة احتمال كل طرف للاخر، والاصرار على انجاح الحوار لتحقيق وحدة واستقرار البلاد، ولفت الى ان الضمانات الإقليمية غير مرفوضة، ولكن المرفوض هو الضمانات الخارجية ذات الغرض والمصالح.