- السؤالُ المحمولُ منذ الأمس: هل تعني حقيقة الأصابع الأمريكية الشاخصة أوالمتوارية، الهادفة إلى اختطاف الثورات العربية، أن نتعاملَ مع مفرزات الفوضى الخلاقة الأمريكية في المنطقة العربية باعتبارها «قَدَراً« لا مفرَّ منه؟؟ - ها هُنا يتجلَّى الامتحانُ الحقيقي للنُّخب العربية، ولئن كان مخطط «الفوضَى الخلاقة» مخططاً مُعلناً، لأهدافٍ يراها أربابُهُ، فإن مواجهة الفوضَى الخلاَّقة ولذات الأسباب تستوجِبُ مُخطَّطاً «سرِّيَّاً» من تصميم النخبة العربية، «ولعلَّ مثل هذا الحُلم، بمُخطَّطٍ بنَّاءٍ تجتمعُ حولَهُ نُخبةٌ عربية، في ظلِّ واقعنا الذي نعيش، يبدُو حُلماً مُمعِناً في اللاواقعية، ولكن لا مناص من تحققه، كشرطٍ وحيدٍ للنجاة من فخاخ الفوضى الأمريكية الخلاقة» .. والامتحانُ الذي أعنيه، هُوأن تُدرك النخب العربية تماماً أنَّ الإدارة الأمريكية عبر عناصر مخابراتها بمختلف تخصصاتها ومسمياتها، وعبر عُملائها ووكلائها في المنطقة العربية ماضيةٌ في استغلال كل التناقُضات العربية، سواءً التناقُضات بين الأنظمة والشعوب، أو التناقُضات ما بين الطوائف المختلفة، أوالتناقضات ما بين المذاهب، سياسيةً كانت أو أيديولوجية أودينية، أوالتناقُضات والتفاوُتات الاقتصادية بين الأغلبية الفقيرة والأقلية المرفهة، كل هذه وغيرها من التناقُضات تظلُّ وقوداً مثالياً للفوضى الأمريكية الخلاقة، التي تؤمِّنُ المصلحة الأمريكية الإستراتيجية المتمثلة في بقاء شعوب المنطقة مفككةً متناحرةً عاجزة، ومُحتاجةً دوماً إلى «الوصاية» الأمريكية .. لن تستطيع النخب العربية أن تُقنع الإدارة الأمريكية «بالمنطق» برفع يدها عن المنطقة، وقطعاً لن تستطيع ذلك بالقوة، فلم يبق إلا خيارٌ وحيدٌ، هُوخيار «التعايُش» مع مخططات الفوضى الخلاقة ولكن بعد تحييدها إن لم يكن «توظيفها»!!.. - إن انتباه النخبة المصرية، مثلاً، إلى حقيقة أن ساحة ثورتهم ليست ملعباً حصرياً للمصريين وحدهم، وأن التدخل الأمريكي إن لم يكُن سابقاً للثورة نفسها لن يدع أمر المستقبل في أيدي المصريين وحدهم، ولن يألوَ جهداً في فعل أي شيءٍ لضمان أن النظام القادم في مصر إن لم يكن امتداداً للسابق فلا أقل من أن يكونَ حليفاً أكثر إخلاصاً للإرادة الأمريكية من السابق «ولعل أحداث الأيام القليلة الماضية في ميدان التحرير تؤكد ما نذهب إليه»، إن إدراك النخبة المصرية وكذلك النخب التونسية والليبية هذه الحقيقة، هو أحد أهم مطلوبات المرحلة، وهُو الأمرُ الأكثر إلحاحاً في أية أجندة وطنية حقيقية، والأكثر حاجةً إلى البحث والمواجهة بترسانةٍ متكاملة من الأسلحة الدبلوماسية و«الإبداعية» اللازمة لمباراةٍ متطاولة في حرب العقول.. ذلك أمرٌ تفصيلُهُ يطول، ولكن خُلاصته أن يُدرك الجميع، في مصر وفي تونس وفي ليبيا وفي اليمن وسوريا، أن إيقاع ثوراتهم الوطنية النظيفة في براثن الفوضى الأمريكية «الخلاَّقة» هُو مخططٌ أكبرُ عُمراً من هذه الثورات، وأن للأمريكان أصابعهُم ليس فقط في التخطيط لما بعد الثورات، ولكن حتى في نسيج بعض الثورات، كاليمن وسوريا، لا تخفى الأصابع التي تعملُ على قيادة ثورة الشعبين إلى غاياتٍ محددة، يكُونُ مآلها أدنى إلى الحروب الأهلية التي يصعُبُ التكهُّنُ بمآلاتها، والفوضَى في حدِّ ذاتها يُمكنُ أن تكُونَ إنجازاً أمريكياً «خلاَّقاً».. والاستقرارُ في المنطقة بخلافِ ما تُؤكد الإدارةُ الأمريكية دائماً ليس في مصلحة أمريكا.