قدم قادة وعلماء ومشايخ التصوف خطاباً جديداً خلال زيارتهم التاريخية لمنطقة شبشة بعد حشد يعد الأكبر في تأريخ التصوف الحديث، وهو خطاب شديد اللهجة مما يتوجب إعادة النظر في كثير من المسائل المتعلقة بالدعوة وكيفية مواجهة مد المذاهب الهدامة وعلى رأسها الفكر الشيعي، فاختيار المكان والزمان كانا ذا دلالة وإشارة تستحق الوقوف عندها، وبمراجعة ما دار من نقاش في هذا اللقاء حول مسائل تفصيلية وأخرى كلية، إنما يشير لتحول كبير وسط المجتمع الصوفي بالسودان وكأنه ينتفض بوثبة جديدة، فالأمر تجاوز مسألة التنبيه لخطورة المد الشيعي وتجاوز النيل أبو قرون ومن شايعه إلى النظر في تنظيم صفوف المتصوفة وتنقية مناهج الدعوة لتواكب متطلبات العصر الحديث، وتنقيح الكيانات المشبوهة والمتسترة تحت العباءات الزاهية والشالات الخضراء. وتراصت الآلاف من المتصوفة وتلاقت بمحبتها المعهودة بمسيد الشيخ العبيد بمدينة شبشة نصرة وتأييداً لجماهير شبشة لوقفتهم الصلبة التي حالت دون وصول النيل أبو قرون إلى مدينتهم الفاضلة، واطلقوا تحذيراتهم بلهجة شديدة يطالبون فيها بضرورة مواجهة هذا الخطر على البلاد حتى لا تستنسخ سوريا والعراق في السودان. ووجه د. الخنجر القيادي بالمجمع الصوفي رسالة واضحة للمجلس الأعلى للتصوف بأن يوقفوا العبث الدائر داخل مجلسهم المخترق ب «السوس» وتبني بعض أعضائه أفكار المذهب الشيعي. ودعوة أخرى وليست سرية تدعو الدولة إلى عدم التساهل والتهاون مع المتطرفين، وتفعيل القوانين واللوائح التي من شأنها أن تكبح فكر التطرف وتكفير المسلمين، والواضح من هذا الخطاب أن المسألة لا ترتبط بالشخوص وإنما بحماية العقيدة من الفساد والكساد والتجارة باسم الدين. ومن الملاحظ أيضاً أن الحشد وعلى لسان الشيخ الإزيرق وجه صوت لوم وعتاب لم يتجاوز حدود المناصحة لخليفة أم مرحي الشيخ عبد الرحيم محمد صالح على تنظيمه زيارة الشيعة للمنطقة، وهي خطوة جديدة في سلوك المتصوفة عند المناصحة والملامة التي عادة ما تكون على أكناف الخلاوي المغلقة. مسألة أخرى تناولها الخطاب الحاشد وهي استصحاب البعد السياسي في الحياة العامة، وهي نقلة كبيرة في التفكير عند المتصوفة الذين ابتعدوا كثيراً عن دهاليز السياسة والساسة، وها هم ينادون بعدم الخروج المسلح ضد الحاكم المسلم وتمسكهم بمبدأ المناصحة والتقويم إذا أخطأ، وطالبوا على لسان المنتصر بضرورة إشراكهم في الحوار الوطني وفق رؤية محددة، ثم تأتي خاتمة المطاف بحديث لأمين الأمانة العلمية بالمجمع الصوفي العام الشيخ د. عبد الرحمن حسن أحمد حامد بضرورة إعداد فرسان للدفاع عن حرمات تنتهك من قبل المتطرفين الذين يحرقون الأضرحة ومقامات الصالحين. أفق قبل الأخير الخليفة الطيب الجد رئيس المجلس الأعلى للتصوف، وعد بإبعاد النيل أبو قرون من المجلس. أفق أخير ما تم في شبشة لم يكن حشداً بل مؤتمراً وبتوصيات مهمة وخطيرة.. فالمتصوفة قادمون وبقوة.