ونحدث عن رجل تاه في صحراء ممتدة على امتداد البصر. رمال ورمال متحركة.. وسموم يشوي الوجوه .. والرجل يكاد يموت من الظمأ وهو يلهث ويصرخ: ماء .. ماء .. سأموت عطشاً. هذا لا يطاق .. من فضلكم رشفة ماء أبل بها حلقي. لا أحد يستفيد من موتي .. ماء يا عباد الله. ومن بعيد ومن وسط السراب الذي يحسبه الظمآن ماءً ... لمح شخصاً .. ففرح وزحف نحوه وهو يقول: الحمد لله .. لقد أرسلك الله لي .. أريد ماءً .. أنا أوشك أن أموت من العطش . حدجه الرجل بنظرة متحذلقة وهو يقول: أبيع كرفتات .. أجود أنواع الكرفتات، إيف سان لوران، جيفانشي، كرستيان ديور .. أجود الماركات. الرجل يكاد يموت عطشاً وغيظاً: أقول لك أريد ماءً تقول لي كرفتات؟ هل أنت نصيح؟ والشخص لا يجيبه بل استمر في عرض بضاعته: كرفتات كلها ماركات أصلية .. ليس فيها تقليد .. خذ انظر وتمعن. ولكن الرجل الذي تدلى لسانه من العطش لا يريد أن ينظر ولا يريد أن يتمعن. ومن وراء الأفق لمح فندقاً .. هرع إليه زحفاً وجرياً حتى وصله. ثم ألقى بجسمه على أريكة فسيحة وهو ينادي على الجرسون: - اسرع .. هيا آتني بأكبر دورق ماء .. أكاد أموت عطشاً. ولكن الجرسون أجابه بكل أدب: - متأسف سيدي .. نحن لا نخدم من لا يرتدون كرفتات.. هذه تعاليم الفندق. ونحدث هنا عن الحيرة التي اكتنفتني وأنا أكتب هذه القصة . كيف أضع لها خاتمة حتى أسعفتني رسالة عظيمة من أخي وصديقي المحامي الكبير زميل الدراسة عبد الله مسعود من مقر إقامته بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية وهو يقول: جاء في الأساطير العربية ان الحق والباطل خرجا من قريتهما في نزهة للترويح عن النفس فضلا الطريق عند العودة، ونال منهما التعب والجوع والعطش فأشار الباطل إلى الحق أن يلتمس لهما رزقا بالسعي في مناكب الأرض على أن يخلد الباطل للراحة، إذ كانا في غاية التعب. ذهب الحق وعاد بعد حين خاوي الوفاض مبديا أسفه في أنه لم يجد رزقا حلالا يقتتان به، ولذا فضل أن يصبرا على المخمصة بدلا من أن يلج الحرام جوفهما أو يجد سبيلا إليهما. غضب الباطل من تصرف الحق أيما غضب وأمر الحق أن يمكث في ذلك المكان ولا يبرحه وسيأتيه بما يسد رمقهما. ذهب الباطل وعاد بعد هنيهة محملا بما لذ وطاب من صنوف الطعام والشراب وطلب من الحق أن يشاركه في تناول ذلك الطعام، إلا أن الحق رفض أن يمد يده لذلك الطعام قبل أن يعرف مصدره وهل هو حلال أم حرام!!؟ سخر الباطل من الحق ودخل الاثنان في جدل حام انتهي بهما إلى الاشتباك والاقتتال فقتل الباطل الحق. خاف الباطل أن يعثر أهل القرية على الجثة ولابد أن تتجه أصابع الاتهام إلى الباطل حيث شاهد أهل القرية الحق والباطل يخرجان معاً في تلك النزهة فسولت له نفسه محو آثار الجريمة بحرق الجثة حتى لا يتم التعرف عليها. جمع الباطل حطباً ورمي بالجثة في داخله وقام بإضرام حريق هائل أحال جثة الحق إلى مسحوق أسود. عاد الباطل إلى القرية زاعما بأنهما افترقا وظن أن الحق قد سبقه إلى القرية. خرج أهل القرية عن بكرة أبيهم يبحثون عن الحق المفقود، وبعد بحث مضن لم يعثروا على شيء سوى مسحوق أسود سكبوا عليه الماء فصار حبرا. أخذوا الحبر واستخدموه في الكتابة على الورق فصار الحق حبرا على ورق. أليس كل ما نكتبه هو حبر على ورق ولماذا نبحث عن نهاية لقصة عبثية؟ ومثلما يتساءل الأستاذ عبد الله مسعود في ختام رسالته: ألا تذكركم هذه الأسطورة باتفاقيات السلام المزعوم بين الفلسطينيين وبين الصهاينة الغاصبين!!؟ اتفاقية أوسلو واتفاقية مدريد وخارطة الطريق واتفاقية جنيف وستليها أرتالا من الاتفاقيات التي هي في واقع الأمر مجرد حبر على ورق؟. كذلك نتساءل نحن. آخر الكلام خير الحوار ما قل ودل لا ما كثر وضل.