أغلقت السلطات المختصة نهائياً المراكز الثقافية الإيرانية في الخرطوم، والخطوة تعتبر مفاجئة لكل المراقبين والمتابعين التطور الدارماتيكي في العلاقات السودانية الإيرانية، التي تمددت كثيراً إلى حد لم يقلق فقط الدول السنية المناهضة للتمدد الشيعي في المنطقة، بل حتى في داخل السودان من قبل التيارات السنية، بل أخيراً دخل التيار الصوفي المحافظ في خط المواجهة وقد تمثل ذلك في رفض زيارة الشيخ النيل أبو قرون لمنطقة شبشة بالنيل الأبيض، وقد عبروا عن رفضهم بخطب في المساجد بل مظاهرة حاشدة. وبالرغم من العلاقة الحميمة التي تربط السودان بإيران لكن ظلت هذه العلاقة مسار جدل ونفور من قبل الكثيرين، وبرزت العديد من التساؤلات المشروعة حول جدلية المصالح وميزان العقيدة، كما أن التقارب الحميم في العلاقة بين الخرطوموطهران كان له إسقاطاته السلبية الواضحة في العلاقة مع الرياض. وخلافاً للضغوط الاقتصادية من تداعيات تلك العلاقة، أبدت التيارات الإسلامية تململاً واضحاً ففي وقت سابق عقد المجلس الأعلى للتنسيق بين الجماعات الإسلامية، الذي يضم جماعة أنصار السنة المحمدية، والإخوان المسلمين، ومجلس الدعوة والطائفة الختمية وجماعات أخرى، مؤتمراً صحافياً، بمعرفة السلطات، حمل فيه قادة هذه الجماعات على المذهب الشيعي. وقالوا إن هناك مخططاً كبيراً، يقوده متشيعون من ورائهم تنظيمات شيعية وجهات إقليمية لنشر الفكر الشيعي في السودان، معلنين اتفاقهم على مقاومة ما أسموه «الخطر الشيعي» في السودان، ومشيرين إلى أنهم رصدوا تبني واعتناق قرى بأكملها للفكر الشيعي، وانتشار مساجد وحسينيات وزوايا وروافد اثني عشرية في الخرطوم. وطالب قادة الجماعات الإسلامية بالإغلاق الفوري للمستشارية الثقافية الإيرانية في الخرطوم، وفتح تحقيق عاجل في دخول كتب المذهب الشيعي إلى معرض الخرطوم الدولي للكتاب، ورأوا أنها تحتوي على عبارات تسيء إلى الصحابة والعقيدة الإسلامية. ودعا المجلس الأعلى للتنسيق بين الجماعات الإسلامية، في بيان وزعه خلال المؤتمر الصحافي إلى «تضافر جهود المسلمين لمواجهة المذاهب الهدامة والعمل على وحدة الأمة وجمع كلمتها». وجاء في البيان «أن الشيعة لا يسمحون بنشر مذهب أهل السنة في بلادهم»، وأن «كتب الرافضة المعروضة في الخرطوم، حرّفت القرآن ووصفت أبوبكر الصديق وعمر رضي الله عنهما بأوصاف غير لائقة». وانتقد القيادي بجماعة الإخوان المسلمين صادق عبد الله عبد الماجد قبل أكثر من عام دخول كتب الشيعة إلى البلاد، وقال: «إن دخولها يعني غياب الرقابة». وقال رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية «الإصلاح» أبو زيد محمد حمزة، إن السفارة الإيرانية في الخرطوم «تستقطب شباب ورجال السودان وتعلمهم المذهب الشيعي»، محمِّلاً الحكومة المسؤولية عن ممارسات الجماعة الشيعية. وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية د. عادل الفلاح، زعم ان تنظيم ومراقبة الحسينيات ومنحها التراخيص ليس للأوقاف أي صلة فيه، وهناك جهات معنية لمراقبتها وغيرها من الأمور. وأضاف الفلاح ان الحسينيات ينظر إليها البعض على انها مركز للعبادة بشكل يومي، وشروطها كشروط بناء المساجد من أماكن أو اتجاه القبلة وغيرها بينما طالب رئيس مجمع الفقه الإسلامي في السودان عصام البشير السلطات بإغلاق الحسينيات الشيعية في السودان وتصفية المراكز الثقافية التابعة للسفارة الإيرانية وتجفيف معهد الإمام جعفر الصادق في الخرطوم. ودعا عصام البشير وهو وزير الإرشاد والأوقاف السابق خلال مخاطبته مؤتمراً نظمته جماعة أنصار السنّة السلفية العام الماضي لمحاربة الشيعة في السودان، وزارة التربية والتعليم إلى مراجعة مناهج بعض المدارس والمراكز التي يعتقد صلتها بالشيعة. وتساءل عن دور الدولة في تدفق وتسريب «8» ملايين كتاب يروج للفكر الشيعي في السودان، وأعرب عن أسفه لغياب مجلس المصنّفات في حظر الكتب الشيعية. وطالب البشير بتنسيق وتكامل الأدوار بين الجهود الحكومية والمجتمعية والأهلية لمحاربة التشيّع، مطالباً بموقف موحد لأهل السنّة بتنظيماتهم كافة واختلاف جماعاتهم لتوحيد أدوارهم ومواقفهم لمناهضة التشيع في السودان. واعتبر زعيم جماعة أنصار السنّة الشيخ أبو زيد محمد حمزة، أن ما يجري حالياً من نشاط منظّم للشيعة إنما هو «غزو» سيجتاج كل البلاد، محذّراً من تحول أهل السودان نحو الشيعة. وقال إن دعوات التقارب التي ينادي بها البعض ستزيد من أخطار الشيعة في السودان. أخيراً هل التقارب الأخير بين الخرطوم والقاهرة ستكون له إسقاطات واضحة على خارطة العلاقة بين الخرطوموالرياض إيجاباً، وربما جفوة مكتومة بين طهران من جهة أخرى؟.