أجرته: سارة إبراهيم إنصاف أحمد على الرغم من أن الدولة أنشأت مفوضية قومية لمحاربة الفساد لمحاسبة المعتدين على المال العام إلا أن تلك المفوضية لم تقُم بالدور المنوط بها في محاربة الفساد وخير دليل ما كشفته تقارير المراجع العام أمام البرلمان مؤخراً عن جملة الاعتداءات والمخالفات المالية للأجهزة القومية وحكومات الولايات والتي بلغت «24 34» مليون جنيه، بينما بلغت جملة القضايا محل الاعتداء «39» حالة مما يكشف بصورة واضحة مدى تهاون الدولة تجاه محاربة الفساد الذي أصبح محل جدل واسع وكبير لم يتم حسمه بصورة نهائية. تفعيل قوانين الرقابة اتَّفقت آراء عدد من الخبراء الاقتصاديين على زيادة معدلات الفساد والتعدي على المال العام، ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي د. محمد الجاك في حديثه ل (الإنتباهة) «إن ظاهرة الفساد كثُر الحديث عنها في السنوات الماضية وأصبحت تتصدَّر كل التقارير التي يصدرها تقرير المراجع العام، وأضاف قائلاً: إن ظاهرة الفساد تبرز مع طبيعة الحالة الاقتصادية السائدة والمتردية التي تولد نوعًا من التشاؤم لدى الأفراد على مستوى المسؤوليات التي يقومون بها في الدولة، وبناءً على ذلك ونتيجة للوضع الاقتصادي الراهن توقَّع أن تستشري ظاهرة الفساد واستمراريتها رغم إدانتها وعدم التوافق مع قيام مؤسسات مسؤولة كمفوضية الفساد، لافتًا لغياب الدولة التام عن مراقبة المؤسسات مما يعطل فعالية القوانين واللوائح، بمعنى آخر أن غياب الدولة يؤدي إلى عدم وجود القوانين الرقابية المطلوبة فمثلاً عندما نتحدَّث عن بعض المؤسسات التي لا تخضع ميزانياتها للمراجعة فهذا بالتأكيد غياب للدولة ومن المفترض أن تخضع أية مؤسسة من مؤسسات الدولة إلى المراجعة والقوانين المعروفة؛ لأن مخالفة القوانين تؤدي لانعدام الشفافية وغيرها من الظواهر السالبة التي تحتاج إلى مراجعات، وقال إن تقرير المراجع العام لم يأتِ بالجديد وإنما هو تكرار لمزيد من الخروقات والفساد وتناميه مما يعكس غياب العقوبات والمحاسبة وازدياد معدلات التجني على المال العام، ويضيف: في رأيي أن ظاهرة الفساد بصورة عامة متفاقمة لعدم تفعيل الإجراءات القانونية فهنالك الكثير من الحالات التي وردت في تقرير المراجع تخص جهات ومؤسسات وإدارات حكومية معينة وعدم الجدية في تنفيذ الإجراءات القانونية هو الذي شجَّع على مناخ الفساد والتعدي على المال العام والإسراع بتشديد العقوبات وتطبيق القوانين قد يحد من الظاهرة وانتشارها والأمر لا يحتاج إلى قيام مفوضية للفساد؛ لأن الإجراءات التي تحد من تنامي هذه الظاهرة موجودة لكن للأسف الشديد ليست مفعَّلة. مراجعة الثغرات في ذات السياق يرى الخبير الاقتصادي البروفيسور عصام الدين عبد الوهاب بوب أن تقرير المراجع العام يكشف حجم الاعتداءات على المال العام ومفصلاً لموقف الإيرادات، ولا تعليق على حجم المبالغ المختلسة التي تزداد كل عام، مناديًا بضرورة هيكلة القطاعات الاقتصادية والإدارية في المركز والولايات حتى تؤتي أكلها وتصل إلى مقصدها في التمويل وأوجه الصرف اللذين يشكلان العامل الأول والمؤثر على صحة الاقتصاد داعياً إلى إيجاد جهاز رقابي حقيقي لمراجعة الأداء. إجراءات حاسمة وفي ذات الصدد يقول الخبير الاقتصادي د. حسن محمد ساتي إن المخالفات المذكورة في تقرير المراجع العام مكررة مشيرًا إلى عدم وجود إجراءات حاسمة اتخذت للتحقيق ضدها أو إصدار قوانين صارمة لحماية المال العام من التعدي بل إن القوانين السارية غير منفذة، وقال: على رأسها قانون المشتريات، وأضاف: في رأيي أن معظم التعدي يجيء لعدم الالتزام بالقوانين، داعيًا إلى إصدار إجراءات وقوانين رادعة على المؤسسات التي تحجب ميزانيتها عن المراجع العام، بجانب طرح المشروعات المراد تنفيذها عبر أجهزة الإعلام لمتابعتها وإتاحة الفرص للمنافسة الحرة وتكوين لجان لاختيار السلع مما يوفر أموالاً ضخمة، وقال هذا يمكِّن الحكومة من شراء سلع جيدة بأسعار قليلة، مشيراً إلى أن هنالك العديد من المشروعات تم تنفيذها بضعف التكلفة الحالية ويتم إخفاؤها من المراجع العام، وطالب ساتي في حديثه ل (الإنتباهة) البرلمان باتخاذ إجراءات حاسمة تجاه هذا الأمر، وكان المراجع العام قد أوضح أن حجم المبالغ المستردة والبالغة «4,9» مليون جنيه مقارنة بمبلغ «16,4» مليون جنيه صافي المبلغ غير المسترد لقضايا العام السابق 2009 2010م وأكد أن نسبة الاسترداد في الفترة 2010 2011م بلغت 230 مليون جنيه، مقارنة ب 74% خلال الفترة التي سبقته، هذا ما وصفه ساتي بالضعيف مبيناً أن المخالفات السابقة للتسويات التي عرضها المراجع العام ضعيفة وأبدى تساؤلاً: ما هي الإجراءات التي تمت في هذا الشأن واتهم الدولة بمساهمتها في انتشار الفساد، وقال إنه جزء من النظام السياسي كاشفًا بقوله إن حجم الفساد المذكور في التقارير لا يتعدى ال «10%» فقط من حجم الاعتداء مبيناً أن هنالك تعدياً من كبار رجال الدولة ولم يتم محاسبتهم، موضحاً أن الطرق القائمة تنفذ باضعاف التكلفة بجانب عدد من المشروعات الكبرى كمشروع سد مروي الذي تجاوزت تكلفته أكثر من «3» مليارات دولار بدلاً من مليار و800 دولار الموضحة له في تنفيذ مشروعات الإنتاج الكهربائي بطاقة 1250 ميقا واط ومشروع للري الانسيابي لري 2 مليون فدان بالولاية الشمالية، مؤكدًا أن نسبة التنفيذ لم تتجاوز ال «40%» فقط، وقال إن مشروع الري الانسيابي لم ينفذ وإنتاج الكهرباء لم يبلغ المستهدف، وبالرغم من تلك التجاوزات الواضحة فالمراجع العام ممنوع من مراجعة تلك الجهات.