لا شك أن مؤتمر الحزب الحاكم ينعقد في ظروف مغايرة لكل الظروف التي سبق له الانعقاد فيها، فهو انعقاده الأول عقب انفصال الجنوب، وتغيُّر خارطة الوطن الجغرافية والديمغرافية، وبروز مشكلات وأزمات لا نريد لأحد أن ينظر إليها بعين الاستصغار والتبسيط المؤذي. وهو ينعقد وأزمة الغلاء تحكم قبضتها الخشنة على عنق المواطن، وتهبط بمستوى المعيشة الذي كان آخذا في التحسن إلى مجاهل الفقر والكفاف حتى لِمَن درجنا على تسميتهم بالطبقة الوسطى. إنّ المؤتمر العام للحزب هذا العام ينعقد والمواطن ينظر إليه بعين الاتهام بضياع الجنوب، فضلا عن التقصير الفادح في الاستعداد لأزمة خروج النفط من موازنة البلاد الأمر الذي أدى لتفاقم أزمة البلاد الاقتصادية، التي إن كانت لا تخلو من تأثير الانكماش الاقتصادي العالمي؛ فإن تأثير الإهمال في الاستعداد لها يبدو أكبر وأعمق. إذن والحال كذلك، فيجدر بالمؤتمرين من أهل الوطني أن يجعلوا من هذا المؤتمر لقاءا استثنائيا .. ليس لنقد الذات وإخراج الهواء الساخن من الصدور؛ فهذا عادة ما يحدث؛ ولكن للإجابة عن سؤال محير ومعضلة أعجزت الطب والطبيب. لِمَ يعجز الحزب الحاكم عن ترجمة ما يدور في مؤتمراته إلى أفعال وترتيبات تجعل الحزب قبل كل طرف آخر يحس أن مؤتمراته العامة ذات قيمة وفاعلية على نطاق الدولة ولصالح المواطن الذي انبرى هذا الحزب لتحمل أمانته التي تنوء بها الجبال. نعم على المؤتمر أن يجيب عن بعض الأسئلة مثل: لماذا تذهب قرارات رئيس الجمهورية أدراج الرياح؟ لماذا تنهزم سياسات وبرامج أعلنها الوطني في برامجه السياسية وغيرها في محكات التنفيذ وعلى أرض الواقع؟ من الذي يهزم قرارات مثل تسوية حقوق متضرري سد مروي وإنصاف مظالمهم؟ وتركيز سعر السكر في الحد الذي أعلنته الحكومة؟ وإلغاء الرسوم الدراسية المفروضة على تلاميذ مدارس الأساس؟ (وهذه مجرد أمثلة) هل حكومة الوطني عاجزة عن تنفيذ وحماية قراراتها أم متكاسلة؟ يجب على المؤتمر العام أن يجيب عن أسئة ملحة يطرحها المواطن البسيط، من المسؤول عن عجز الحكومة عن استقراء نوايا الجنوبيين في الانفصال مع أن ذلك كان أوضح من الشمس في رابعة النهار؟ من الذي جعلها تعيش في وهم الوحدة الجاذبة وتضيّع الزمن والمال في دعمها حتى أهملت واجبها في العمل الجاد على تجنيب البلاد كارثة خروج البترول من موارد الموازنة؟ إن إجابة المؤتمر عن مثل هذه الأسئلة الملحة ربما يساعد في تحدي العبور الآمن للعام 2012 الذي يُتوقّع أن يكون أشبه بعام الرمادة من حيث ضيق الحال على الحكومة وموازنتها الأمر الذي سينعكس على المواطن غلاءا وضيقا في المعاش، و«الله يكضب الشينة!« على المؤتمر العام أن يطلب الغفران من الله ثم من الشعب على الوقت الثمين الذي أضاعه وهو يحاور أحزاب التاريخ التي لا يهتم الموطن بأمر مشاركتها من عدمه فهذا الشعب يقول في أمثاله: من جرب المجرب حصلت عليه الندامة!، إن ما يهمه هو أن تكون الحكومة القادمة ربّانا ماهرا تحمي سفينة معشه من الغرق في بحر الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ويدثره من أمواج الغلاء التي تضرب جنبات السفينة بقوة. لا أدري ما الذي تريده الحكومة من هؤلاء الفاشلين!! إنّ المتأمل في انهماك الحكومة في محاورة حزبي الاتحادي والأمة التاريخيين وبذلها الوقت الغالي في حوار الطرشان معهم؛ يحس أن الحكومة تعاني من عقدة الإحساس بعدم الشرعية ! إن الحكومة كأنها تلتمس الشرعية من مشاركة الحزبين الكبيرين، أليست تلك الشرعية التي نزعها الشعب السوداني من أولئك ومنحكم إياها في انتخابات لم يجرؤ أحد من مراقبيها على الطعن الجوهري في نتائجها؟؟ إن الحكومة تبدو مثل ذلك المريض الذي يظن أنه حبة قمح وأن الديك سيأكله..! إن قادة الإنقاذ عاشو تاريخ عظمة هذه الأحزاب وجماهيريتها، فهم واقعون في حفرة ذلك التريخ! أفسحوا المجال إذن للشباب الذين لا يدينون لذلك التاريخ ولا يعرفونه ليقودوا البلاد ببراغماتية تهدف إلى تحقيق مصلحة المواطن واستقراره ورفاهه مع الحفاظ على مبادئه وقيمه الدينية النبيلة، وتأكدوا حينها أن المواطن سيدعمهم ولن يسأل لِمَ لم تدعوا فلانا أو علانا للمشاركة.