تعددت مطالبات القوى السياسية السودانية في الحكم والمعارضة، وهي تناشد الحكومة بضرورة تهيئة مناخ الحوار الوطني واطلاق الحريات وايقاف الرقابة على الصحف وغيرها من الخطوات البناءة للثقة بين مكونات المجتمع السوداني السياسي والاجتماعي، وتكررت المطالب من الداخل باطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وكانت النداءات باطلاق سراح د. مريم وابراهيم الشيخ وغيرهما تتكرر دون جدوي ودون ان تجد آذاناً صاغية، ثم فجأة وبلا مقدمات تصرح الحكومة بأنها اطلقت سراح المعتقلين السياسيين دون ان تبدي الاسباب التي جعلتها تتخذ تلك الخطوة، وهو الامر الذي جعل المراقبين يتساءلون، أو ليس غريباً ان تقوم الحكومة بالاستجابة الى طلبات ونداءات المجتمع الدولي باطلاق سراح المعتقلين السياسيين دون ان تستجيب للدعوات الوطنية السباقة الى المطالبة باطلاق سراح المعتقلين السياسيين؟ ووجه الغرابة في هذا السلوك هو مناهضته للشعارات البراقة التي ترفعها الحكومة تجاه الاجنبي والحساسية المفرطة ضد ما تسميه الإملاءات الخارجية، ولكن ومع ذلك ضربت الحكومة الرقم القياسي في الاستجابات السريعة للضغوط الخارجية بعد أن تعمدت سد آذانها حتى لا تسمع او تستجيب للنداءات الوطنية الحاضة على اطلاق سراح ابراهيم الشيخ وقبله الصادق المهدي وبعده مريم الصادق المهدي وآخرون لا تتردد اسماؤهم في الاعلام كثيراً. لقد تم إطلاق سراح مريم الصادق المهدي، وجاء توقيت اطلاق سراح مريم بعد مطالبة المجلس الدولي لحقوق الإنسان بإطلاق سراحها وليس بمبادرة من مركز دراسات المجتمع كما يُشاع، وحتى لا ندخل في مغالطات او لم يكن مركز دراسات المجتمع موجوداً حينما تم اعتقال مريم الصادق؟ إن الضغوط الخارجية الكثيفة هي التي أطلقت سراح مريم، وقد ذكرت ذلك في مؤتمرها الصحفي وقالت إنها لا تعلم حتى تاريخه لماذا اعتقلت ولماذا اطلق سراحها، ولكنها ومع ذلك تعلم فاعلية الضغوط التي قام بها الاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي والمجلس الدولي لحقوق الإنسان، ولكن ومع ذلك كله ينبغي على الحكومة ان تحسن التصرف ولا تضرب بالمطالبات الوطنية عرض الحائط، فقد بحت اصوات القوى السياسية المعارضة وتلك المشاركة في آلية الحوار الوطني، وهي تطالب بإطلاق سراح مريم وإبراهيم الشيخ وغيرهم من المعتقلين أو تقديمهم الى محاكمات عادلة امام القضاء السوداني، وماذا كان يضير الحكومة اذا ما سمحت لحزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني بتسليم مذكرة الى مفوضية حقوق الإنسان للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين؟ هذه الممارسة الديمقراطية تم رفضها ولم يستمع احد الى النداءات الوطنية، ولكن حينما ارتفعت نبرة المطالبات الدولية من المجتمع الدولي تم إطلاق سراح بعض المعتقلين على وجه السرعة، وهذا لعمري في السياسة سلوك عجيب ومستغرب من جهات طالما زعمت انها ترعى المبادئ الوطنية وفق الشعارات البراقة. الحكومة لا تحسن التصرف حتى في اللحظات الفارقة من مسيرتها السياسية، فالظرف الراهن هو وقت الحوار الوطني المفروض بفعل الأزمات المتشابكة، وهو ظرف يحتاج الى تهيئة مناخ الحوار الوطني ببذل المزيد من الروح الإيجابية تجاه تجميع وتوحيد الصف الوطني، وحسناً فعلت رئاسة الجمهورية بالترحيب بتوقيع الفرقاء السودانيين على وثيقة أديس أبابا وهذا يعني تقبل الحكومة لإعلان باريس، فقد اعترف مساعد رئيس الجمهورية ابراهيم غندور بأن النقاط الثماني الواردة في الاتفاق تتطابق مع النقاط التي اتفقت حولها آلية الحوار الوطني، وهذا يعني ضمنياً توافق الفرقاء في الخارج والداخل على البنود الأساسية لانجاز الحوار الوطني، ولم يتبق بعد الا استكمال البناء الوطني المتكامل وتلطيف الاجواء وسيادة روح التفهم بين الجميع، ليختاروا مكاناً للجلوس يكون سودانياً مائة بالمائة او افريقياً باستضافة كريمة من احدى دول الجوار والاشقاء في افريقيا والوطن العربي، ولو قدر للحوار الوطني ان يستمر وفق نهج المسائل المتوافق حولها، فإن السودان سيشهد استقراراً نسبياً الى حين تكوين حكومة انتقالية تعقبها انتخابات عامة يختار الناس بعدها ممثليهم فيها، وتنتهي بذلك الأزمات باعتبار أن الحروب والنزاعات في اطراف السودان المختلفة وعدم التوافق السياسي بين الأحزاب كان سبباً رئيساً في مفاقمة هذه الأزمات.