ربما بدا الوضع مضطرباً بعض الشيء بين الفرقاء في الجنوب حال مناقشة أمر نقل العاصمة من جوبا بعدما ضاق صدر أهلها بسبب الوافدين الجدد.. وهنا بدت الحركة الشعبية أقل تمسكاً بالعاصمة الحالية وربما بدت أكثر حرصاً على نقلها لكن ليس الى «رامشيل» المدينة التي رشحها قرنق وتمسك بها مشار، ربما لأن قبورها جالبة للحظ حسب الاعتقاد هنالك. الا ان الحكومة أبدت الرغبة في تحويلها الى مدينة واو بديلاً تراه مناسباً.. بينما أثار الأمر برمته حفيظة المانحين ودولاً غربية بحسبان حاجة الدولة الفقيرة الى اولويات اخرى عاجلة. وبينما يقرأ الواقع أن جوبا قد لا تصلح لأن تكون عاصمة بسبب التركيبة السكانية في الجنوب وترجيح كفة الولاءات القبلية، يتساءل البعض عن القبيلة التي يمكن أن تعطي أراضيها أو تتخلى عنها بسخاء لتُبنى عليها العاصمة بعد تذمر سكان الولاية الاستوائية الوسطى وهم أهالي «الباريا» بسبب توافد الغرباء. وربما بدت الأسباب وجيهة في تبني وجهة نظر نقل العاصمة الى رامشيل، اذ ان المدينة خالية الآن من السكان، وربما يبعد هذا شبح العنصرية التي صاحبت تجربة اتفاقية أديس أبابا عندما تم اختيار جوبا عاصمة للجنوب، فقد أطلق حينها أهالي المدينة، وهم خليط من القبائل الاستوائية مثل «الباريا» و «المندري»، كلمة «ككورو» وهي تعني بلغة الدينكا «مطرود» وقاموا حينها بطرد أبناء واو وملكال من مدينتهم. وهنا يتخوف مراقبون من تكرار تلك التجربة مرة أخرى حال الإبقاء على جوبا عاصمة للدولة. وكانت حكومة جنوب السودان قد قررت العام الماضي نقل مقر الحكومة من مدينة جوبا على ضفاف النيل الى «رامشيل» في ولاية البحيرات بوسط البلاد. وعللت ذلك حينها بحاجتها الى مساحات أوسع لبناء مدينة عصرية بتكلفة فاقت عشرة مليارات دولار على مدى «20» عاماً، الا انها تراجعت عن ذلك وابدت تفضليها واو التي رحب اهاليها بذلك بينما تمسكت المعارضة برامشيل. وحاول دبلوماسيون غربيون خلال الشهور الماضية إقناع الحكومة في الجنوب بالتخلي عن فكرة إنشاء عاصمة جديدة وتركيز مواردها المحدودة في انتشال شعب الجنوب من دائرة الفقر. وحول هذا الموضوع يقول البروفيسور إيساك كوير رياك، وهو استشاري في التنمية والمدير التنفيذي لشركة الاستشارات التنموية التابعة للبنك الدولي في افريقيا، إن مجتمع مقاطعة يرول في ولاية البحيرات يرحب ترحيباً حاراً بخطة حكومة الجنوب لنقل العاصمة الى «رامشيل». وتقع رامشيل، العاصمة الجديدة المقترحة، في المنطقة الوسطى عند بحر الغزال الشمالي وتحدها من الجهة الجنوبية ولاية بحر الجبل ومن الجهة الشرقية ولاية جونقلي وشمالاً أعالي النيل ومن الغرب ولاية واراب. بيد أن قرنق كان يتمسك بهذا الاختيار بسبب موقعها الجغرافي، فهي تتوسط الولاياتالجنوبية بجانب الطبيعة السياحية الساحرة حول المنطقة، فإلى الجهة الشمالية الشرقية للمدينة توجد حظائر «شامبي» القومية وتوجد بتلك الحظيرة أنواع نادرة من الحيوانات المنقرضة في إفريقيا والحيوانات البرية مثل وحيد القرن الأبيض، وتعتبر «شامبي» من أميز الحظائر الطبيعية في إفريقيا، وإلى الناحية الشرقية من المدينة توجد حظيرة «بوما» القومية التي يتناقل الحديث عن سحرها الكثيرون ويقال إنها ذات طبيعة إفريقية خلابة. ولرامشيل معنى في اللغة المحلية اذ تعني كلمة «رام» «الالتقاء» وكلمة «شيل» ومفردها «شال» تعني وحيد القرن الأبيض. ويروي أحد أبناء مدينة يرول أن مجموعات وحيد القرن الابيض الطاعنة في السن تتجمع ب «رامشيل» ولا تغادرها لتقضي فيها شيخوختها وتموت فيها وتقبر في أرضها!! ويدلل على ذلك بأن كميات كبيرة من هياكل عظام وحيد القرن الأبيض توجد برامشيل، وهي ملتقى لوحيد القرن الذي عرفه العالم كحيوان معرض للانقراض وتشتهر به بعض المواقع في إفريقيا من بينها السودان، إذ أكدت دراسات وإحصاءات أن ما تبقى منه في العالم فقط نحو «4000» رأس وأنثاه تضع مولوداً واحداً كل أربع سنوات مما يجعل شبح انقراضه أمراً ماثلاً، ويعتقد ابناء الجنوب أن تلك القبور جالبة للحظ!! ويقع شرق رامشيل ميناء «شامبي» النهري، ويعتبر الميناء الثاني بعد ملكالبالولاياتالجنوبية، وهو يستقبل البواخر القادمة من الشمال، وهو أيضاً ملتقى الحركة النهرية، وتمر عبره القوافل التجارية والقادمون من ميناء كوستي النهري بالشمال، ويرى مراقبون أن أسباباً وجيهة قد تجبر الحكومة على عدم التمسك بمدينة جوبا كعاصمة للدولة الجديدة وترشيح رامشيل لأنها منطقة خالياً من السكان، فقد كان يقطنها في الماضي بعض المجموعات مثل دينكا العالياب وقبائل «توت» ومجموعات «شيح». بينما يرى بعض أبناء منطقة يرول أن اختيار «رامشيل» أمر جيد لأن الكلمة تعني «الالتقاء»، كما رشحت معلومات تؤكد أن سوء تفاهم حدث بين حكومة الاستوائية الوسطى وحكومة الجنوب بسبب ملكية الأراضي هنالك، ويرجح البعض أن هذا الأمر أثر بشكل مباشر في عملية إعادة تخطيط المدينة بصورة حديثة، خاصةً أن هناك من يرى أن جوبا بوضعها الحالي غير مؤهلة لاستقبال حكومة دولة مستقلة بمؤسساتها ودواوينها التي تدير منها شؤون تلك الدولة.