هذه وقفتي الثالثة مع د.صلاح الدين البدوي الخنجر، من دائرة الافتاء، بالمجمع الصوفي العام. كتب الخنجر يقول في رده على ما كتب عن شيخه البرعي البرعي: «ما كتبه أيوب صديق في صحيفة «الإنتباهة» يتلخص في أمور ثلاثة: 1- إنكاره لنورانية النبي صلى الله عليه وسلم. 2- إنكاره لتوسل الأنبياء به صلى الله عليه وسلم. 3- أن الصوفية يبالغون في مدح وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم». أولاً: هذا ما زعم الخنجر بأني ذكرته في ما كتبت. ولم يكن فيما ذكرتُ شيءٌ عن نورانية النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي تناولته في ثنايا ما كتبته عن البرعي، هو تعلق المتصوفة بحديث جابر الأنصاري عن أن أول ما خلق الله تعالى هو نور النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك في الحديث المنسوب إلى جابر بأنه سأل النبي عن أول شيء خلقه الله فقال «نور نبيك يا جابر»، وزعموا أن الحديث موجود في مصنف عبد الرزاق، فقلتُ إنه حديث أجمع ثقات أهل الحديث بأنه مكذوب موضوع، حيث قلتُ نصاً: «فإن الباحثين المهتمين بعلم الحديث لم يجدوه، لا في مصنف عبد الرازق ولا في تفسيره. ولما لم يُوجد له أصل، عمد بعضٌهم إلى حيلة كي يجدوا له بها أصلاً، وهي الزعم بأنه أي الحديث، كان في جزء مفقود من مصنف عبد الرازق، وقد عُثر عليه في الآونة الأخيرة. لم تنطل هذه الحيلة على أهل البحث والتحقيق، فحذروا من فرية هذا الجزء الذي زُعم بأنه كان مفقوداً وعُثر عليه، وما هو إلا جزء وُضع خصيصاً لإيجاد أصل له غير موجود أصلاً».. هذا نص ما ذكرته في مقالي ولم يكن هناك حديث آخر عن «نورانية النبي صلى الله عليه وسلم» كما زعم الخنجر في النقطة الأولى من نقاطه الثلاث الآنفة. كذلك قلتُ إن بعض المتصوفة يعتقدون بأن النبي صلى الله عليه وسلم سارٍ في الوجود، ويكون مع الناس أين ما كانوا، وذلك هو ما قاله لي أحد المتصوفة قبل سنوات :«بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو معنا الآن في هذه الجلسة، فقلتُ له ليت ذلك حقيقة لنكون من السعداء في الدنيا قبل الآخرة» ثم قلت له نحن مأمورون بالصلاة عليه، فيبلغه الله سبحانه وتعالى ذلك سواء كنا في أقاصي الأرض أم عند قبره الشريف، وذلك في معنى حديثه صلى الله عليه وسلم: «صلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم». وقلت بعد ذلك نصاً: « أما الذي معنا فهو الله سبحانه وتعالى بعلمه الذي أحاط بكل شيء، وذلك بينٌ في قوله تعالى في كتابه العزيز: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ». فأنا لستُ منكراً لنور النبوة ولا أدري ما يعنية الخنجر ب«نورانية» النبي صلى الله وسلم، فنور النبوة الذي أعتقده هو نور هداية رسالته الخاتمة التي جاءت لانقاذ البشرية من مهاوي الشرك والضلال، سراجاً ينير لها دياجير هذا الكون:« يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا «45» وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا «46» الأحزاب. وهي رسالة ظلت هادية للانس والجن، وستعم بنورها أرجاء البسيطة ما بلغ الليل والنهار كما قال صلى الله عليه وسلم. ثانياً: أما قول الكاتب إنني أنكر توسل الأنبياء به صلى الله عليه وسلم، فأنا لم أتطرق أصلاً إلى توسل الانبياء به ، بل كل الذي ذكرتُه هو نفي ما جاء في قصيدة البرعي أنه نجى الانبياء الذين جاءوا قبله مما تعرضوا له من ابتلاءات اثناء تبليغهم رسالاتهم، ووضحتُ ذلك بما لا مزيد عليه لا هنا ولا لاحقاً. فكل الذي ورد مني هو عن توسل آدم عليه الصلاة والسلام، فقلت إن الذي توسل به آدم وزوجه كما أثبته أهل العلم هو ما ذكره القرآن الكريم وهو قوله تعالى:« قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ «23» الأعراف ثالثاً: أما زعم الخنجر بأنني قلت: «ان الصوفية يبالغون في مدح وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم» فهذا جانب فيه الخنجر الصواب، فأنا لم أذكر الصوفية عامة وإنما ذكرت أن غلاة المتصوفة ينزلون النبي صلى الله عليه وسلم غير المنزلة التي انزلها له ربه، ثم التي انزلها هو نفسه، فقد أمره ربه في القرآن بأن يقول للناس إنه لا يعلم الغيب، ففعل، ورغم ذلك يقول غلاة المتصوفة إنه يعلم الغيب. ويشدد في أقواله إنه بشر، وما جاء في أمر سجوده للسهو خير دليل على بشريته عليه الصلاة والسلام. جاء: «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ , وَلَمْ يَجْلِسْ . فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ , حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ:كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ». وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فقلنا : يا رسول الله أزيد في الصلاة ؟ قال : وما ذاك ؟ قالوا : صليت خمساً . قال : إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تَذْكُرون ، وأنسى كما تَنْسَون، ثم سجد سجدتي السهو. رواه البخاري ومسلم». هذا أمر واضح وضوح الشمس عن بشريته صلى الله عليه وسلم، التي يشدد عليها دائماً، ومع ذلك يقول لك غلاة المتصوفة إنه ليس بشراً مثلنا، فهو لا يذكر كما نذْكُر، ولا ينسى كما ننسى، بل هو يتعمد السهو والنسيان ليشرع للناس، وهذا والعياذ بالله انكار منهم لما يقول هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم، فهذا هو النوع الذي عنيته بغلاة المتصوفة. وهذا غلو أكبر منه وأسوأ؛ ذلك ما سبق أن ذكرته من قبل وهأنذا أذكره مرة أخرى هنا لداعي الرد، حيث رُوي عن أن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يُوحىَ إليه، فكُشف الحجابُ فوجد جبريل أن الذي كان يوحي إليه هو النبي نفسه، فقال له «أمنك وإليك؟». فأنا لم أذكر المتصوفة على إطلاقهم بل قلتُ غلاة المتصوفة، والغلو أمر بغيض ومنفر على كل حال، من تلقاء أي جهة جاء. يقول الخنجر:«وهنا أقول إن مشكلة أيوب صديق مع النبي صلى الله عليه وسلم وليست مع الشيخ البرعي إذ يقلل أيوب ويحط من قدر النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول بذلك الوهابية». أولاً كذبتَ والله يا خنيجر، فإن مشكلتي ليست مع النبي صلى الله عليه وسلم حاشا لله، فأنا أحبه وأجله غاية الاجلال كما أُمرتُ، وأديم الصلاة والسلام عليه والحمد لله وحده، وأُنزله المنزلة التي أنزلها له ربه، وأنزلها صلى الله عليه وسلم نفسَه؛ وأقول عنه بما يقوله عنه ربه سبحانه وتعالى بأنه لا يعلم الغيب، وبما يقول هو عن نفسه إنه لا يعلم الغيب. ولذا وأقول إن الذي حدث به من وقوع أمور قبل وقوعها فوقعت، أو ستقع حتى قيام الساعة، إنما حدث عنها بوحي له من ربه تعالى. ففي واقع الامر إن مشكلتي هي مع شيخك البرعي الذي يشرك «شيوخه الاقطاب» مع الله خالقهم في أمرين؛ هما مما استأثر به سبحانه وتعالى، وهما علم الغيب والنفع والضر، ومن ثم اصبحت مشكلتي معكم أنتم تلاميذه، حيث تشتمون من ينتقده باعتباره منزهاً عن الخطأ وكأنه ليس بشراً، وتتابعونه حتى في عقيدته باشراك «الشيوخ الاقطاب» مع الله فيما استأثر به. إن المشكلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ليست مشكلتي أنا والحمد لله، وإنما هي مشكلتكم أنتم أتباع البرعي وغيره، فأنتم تقرأون أمر الله سبحانه له بأن يقول للناس إنه لا يعلم الغيب فقال لهم ذلك، ورغم ذلك تقولون لا؛ بل هو يعلم الغيب، وكأنكم تنكرون قول الله فيه بنفي علم الغيب عنه؛ وهو خالقه. وحين مدحته الجارية بأنه يعلم ما في غد فنهاها عن ذلك وقال لها لا تقولي هذا فإنه لا يعلم الغيب إلا الله، قلتم لا ؛ بل هو يعلم الغيب، وكأنكم تكذبونه فيما يقول هو حتى عن نفسه.، وإن سجد للسهو وقال إنه يسهو كما يسهو الناس، قلتم لا؛ إنه لا يسهو كما يسهو الناس، وإنما يتعمد السهو أمام الناس ليشرع لهم، وبذلك تتهمونه بعدم الصدق العياذ بالله. وإن قيل لهم إن زوحه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «ومن حدثكم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم الغيب فقد افترى وكذب على الله تبارك وتعالى ثم تلت قوله عز وجل: «قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ » النمل:65 قلتم لا، بل إنه يعلم الغيب. وقد قال لي ذلك عادل حسن حمزة في رده على، وهذا نص قوله: «أما انكار كاتب المقال أوليته صلى الله عليه وسلم للخلق وعلمه للغيب فسأقوم بالرد عليه في مقال آخر بإذن الله». هذا نص قوله، وهو انكار لما قاله الله تعالى بنفي علم الغيب عنه، ولما قاله هو عن نفسه، ولما قالته عنه زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فأي تنكُّب لمهيع الحق أكبر هذا؟. قال الخنجر في افترائه:«لذلك فنحن أمام احتمالين؛ إما أن يكون أيوب قد وقع في براثن أفكار ومعتقدات تلامذة الجاسوس البريطاني اليهودي شيخ الوهابية «مستر همفر» أو أن هذا المقال قد كتب له لينشره باسمه كي يقال من العالمين». أولاً أن هذه الفقرة من مقاله لهي أتفه فقرة أضيع شيئاً من وقتي في الرد عليها، فإن كل الذي أقول لهذا الخنجر هنا، إنه بعد هذا العمر في البحث والتنقيب والكتابة، فلن يكتب لي شخص كما توهمت مقالاً لانشره باسمى، حاشا لله، ولست محتاجاً لذلك والله، ودونك ومن لف لفك نصوص الكتاب والسنة فيما نحن بصدده من أقوال شيخك المناقضة لمحكم القرآن ولجلي السنة المطهرة، ولن ينفعك وغيرك، البحث عن مخرج فيما أنتم فيه بتباع اسلوب الشتيمة والاقذاع في القول. أما قوله عن وقوعي: « في براثن أفكار ومعتقدات تلامذة الجاسوس البريطاني اليهودي شيخ الوهابية« مستر همفر» فهو قول أتفه من سابقه بأن يُرد عليه. «يتبع»