من داخل دوحة عرفت بالصلاح والتقوى وأذكار التصوف وقراءة القرآن وتدريسه. وبل الغوص في معانيه، ولد الشاعران اللذان ظلا في ذاكرة الشعب وموسوعة الأدب السوداني. الاثنان نهلا أولاً من إرث الأسرة الأشهر في علوم القرآن والتصوف. ومن ثم كانت المدارس النظامية هي موقع نهلهما من العلوم الدنيوية. حتى وصلا لمرحلة التميز في كتابة الشعر ومعرفة علوم الدين الإسلامي واللغة العربية. يفصل بينهما عام واحد. فالمجذوب أكبر سناً من عبد الله الطيب بعام واحد. وهو ما جعل الفارق بينهما لا يظهر إلا للذين درسوا سيرتهما بدقة وتأنٍ. اشتركا في خمسة مناحي شكلت حياتهما الزاخرة بالأدب والحياة، فكانت حياة استمرت منذ تخرجهما من كلية غردون التذكارية »1938م محمد المهدي المجذوب و1939 عبد الله الطيب« حتى وفاتهما. أولى مشتركاتهما هي الدراسة بكلية غردون التذكارية في سنوات كان التعليم فيه مثار لغط وريبة من السودانيين. فكان قسم المحاسبين هو القسم الذي انتظم فيه محمد المهدي المجذوب في حين التحق عبد الله الطيب بقسم المعلمين. ثاني المشتركات هو كتابتهما للشعر في سن مبكرة. ففي بدايات الأربعينات ظهرت أولى قصائدهما كما هو مثبت في سيرتهما، وكذلك ما ظهر في أولى مجموعات المجذوب الشعرية. «نار المجاذيب» و«الشرافة والهجرة». ومن ضمن قصائد المجذوب الأولى الدالة على عبقريته تلك التي يقول فيها مشبها الترام بالحمار كوسيلة انتقال «دوخني هذا الترام حمار غير مامون» أما قصيدة عبد الله الطيب التي يعود تاريخها للعام 1941م والتي أتت كواحدة من قصائد كتاب الأناشيد للصف الرابع الابتدائي قديماً شوينا السنبل النضر على الجمر على الجمر ويحلو طعمه مع المطر ويزهو مع الناس كالدرر وهو محمول بالشرر ثالث المشتركات هو اهتمامهما بالمسرح في مقبل حياتهما. فكان هذا الاهتمام مدعاةً للمجذوب ليقوم بتصميم خلفيات المسرحيات بالكلية القديمة. أما عبد الله الطيب فقد كان اهتمامه السبب في كتابته لمسرحية «زواج السمر» تلك المسرحية التي أوضحت اهتمامه الباكر بالمسرح. لتأتي رابع ما جمع الاثنين من اهتمام وهو الكتابة الخواطرية للصحف السيارة. وهو الشيء الذي توقف عنه عبد الله الطيب لانشغاله بالأكاديميات بعد العام 1958م. في حين اتصلت حالة المجذوب بهذا المنحنى حتى وفاته. في منتهى ما ذهبنا إليه من مشتركات تبرز حالة الاهتمام بالأدب السوداني وصحبة أهله من الشعراء والأدباء. فكان الاثنان قريبي الصلة بتجمعات الأدب في العقود منذ الأربعينيات وحتى السبعينيات. وذلك بدءاً ب البروفيسور عبد الله الطيب ومروراً بندوة عبد الله حامد الأمين بأم درمان وانتهاءً بمنتدى إجزخانة العاصمة بالخرطوم. وذلك المنتدى الذي ضم الشعراء محمد محمد علي ومنير صالح عبد القادر ومحيي الدين فارس. الاثنان احتفيا بشعر بعضهما، فكان من ضمن أكثر القصائد التي جعلت عبد الله الطيب يقف عندها تلك القصيدة قوية المعاني بليغة النظم: وفي البيوت غمامات أفضن لنا مارق العيش من قمح وآليات والطبل ينفخ والظلماء مسغبة والثاقبات تئن بين جدران فوق البروش جلسنا حادبين على ديون شهر مع الأشواق سهران حقاً ما أعظمهما شاعران ومفكران ساهما بدأب وإصرار على ظهور رصين الأشعار وأجملها.