لقد أصبت قبل سبعة وعشرين يوماً بكسر في ذراع يدي اليمنى وأصبحت في عطلة إجبارية عن العمل وتوقفت عن الكتابة وأخذت مؤخراً أمرن نفسي على الكتابة بيدي اليسرى مع التملية، وبرغم خصوصية التجربة إلا أن فيها دروسا وعبراً. وأن المشاعر الطيبة الدافقة من كل الأهل والعشيرة والأصدقاء و الجيران وكل مواطني مدينتنا الريفية الهادئة المترابطة اجتماعياً قد أنستني مشاعرهم الطيبة والتفافهم حولي برح آلامي. وكما يقولون فإن المنن في طي المحن، إذ أتاحت لي في هدأة الليل وسكونه قضاء ساعات ممتدة من الصفاء والنقاء الروحي والهجود والسجود والدعاء والاستغفار مع خير جليس وأنيس في الدنيا المصحف الشريف وتلاوة القرآن الكريم في جو روحاني طيب. وأن أي إنسان لا يعرف ما يخبئه له القدر وهذا غيب ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، وقد يخرج المرء من منزله سالما معافى ويقع لا شعوريا في مجرى صغير أو يترنح ويسقط أو يصاب في حادث حركة حفظ الله الجميع ومتعهم بالصحة والعافية. وقد كنت في الأيام الأخيرة أحمل هما ثقيلا وإصرارا على إكمال مشروع خاص فائدته عامة إذ ان بين يدي تلال من الورق فيها توثيق ومعلومات كثيرة جمعتها بالسهر والأرق والعمل الميداني الشاق وكنت في بعض المناطق النائية أسير مسافات طويلة راجلاً وقررت الاعتكاف لإعداد وتجويد مسودات هذه الكتب العشر وجمعها وإيداع عدد من النسخ منها بدار الوثائق المركزية ومكتبات الجامعات ومراكز البحوث للاستفادة منها توطئة لطباعتها في حياتي أو بعد مماتي. وظل شقيقي المقيم باندونيسيا يلح علي إلحاحاً شديدا بتلبية دعوته لزيارته والإقامة معه عدة شهور هناك وما علي إلا تقديم جواز سفري لأصدقائه مع تكفله بكل شيء. وكنت أوازن بين هذا العرض وبين الاعتكاف هنا لاداء المهمة المشار إليها، وقد وضعت خطة العمل على الورق، ولكن تقدرون وتضحك الأقدار كنت وما شاء الله لم أكن أشعر بأي داء إلا هم المشروع الذي ظل يشغلني صباح مساء، وقدر الله سبحانه وتعالى أن أسقط على ذراعي اليمني. وأتمنى لكم جميعا الصحة والعافية ملتمساً منكم الدعاء لي بعاجل الشفاء، ودمتم في حفظ الله. المحطة الثانية جاء في الأنباء أن الفريق أول بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية سيلتقي في يوم الإثنين بقيادات و إدارات وزارة الزراعة والري وقيادات اتحادات المزارعين وكل المرتبطين بهذا القطاع الهام، وغني عن الذكر أن الدولة بشقيها النباتي والحيواني وبقطاعيها المروي والمطري هي صمام الأمان لهذا الوطن ولو أن التدفقات النقدية الدولارية أيام العز البترولي قد وجهت لهذا القطاع الهام وما يتبعه من صناعات تحويلية لأضحى الوضع الاقتصادي مستقرا ولكن ينبغي عدم البكاء على اللبن المسكوب على الأرض وما زال في الوقت متسع لتقويم وإصلاح المسيرة ووضع الأمور في نصابها الطبيعي والملاحظ أن بعض العاملين في قيادة هذا القطاع ظلوا يرددون في نهاية كل موسم أن الإنتاج غزير وفير وظلوا يرددون ايضاً قبل بداية كل موسم زراعي صيفي أو شتوي أن الاستعدادات قد اكتملت على أفضل وجه ودرج بعضهم على إقامة احتفالات عند بدء الحصاد باختيار أحسن مزرعة وحواشة ويعتلي أحد الدستوريين الكبار الحاصلة ووسط الهتافات يُعلن أن الإنتاجية عالية ويبث ذلك عبر كل أجهزة الإعلام ونأمل في المرحلة القادمة الاهتمام بالجوهر دون المظهر ونأمل ألا يكون الملتقى المعلن عنه تجمعا للخطب والكلمات المنمقة لخلق صورة ذهنية لدى كبار الدستوريين لا تطابق مع الواقع، والمهم هو استنهاض الهمم للبذل والعطاء والإنتاج مع الارتكاز على أرقام ومعلومات وحقائق صحيحة والمطلوب هو توفير المقومات المالية اللازمة وتوفير المدخلات الزراعية بأسعار معقولة دون أن تحتكرها فئة قليلة من أصحاب المصالح المستندين إلى ظهر سلطوي قوي، والمطلوب أيضا أن تكون إدارات المشروعات الزراعية قوية رشيدة مع دعم المنتجين وتوفير التمويل والاهتمام بالتسويق ووضع سياسة واضحة للصادر والوارد، أما الماء فهو من أهم المقومات ولذلك يجب أن يكون الري على رأس الأولويات دون أن تحدث ثنائية وتداخل في السلطات بين إدارات الزراعة والري وإن القطاع الزراعي إذا استنهض من قفوته فإنه هو عماد البلاد والأمن الغذائي هو الدعامة الرئيسة للأمن القومي. والتحية والتقدير لكل الجادين في هذا القطاع وأخص منهم المزارعين في القطاعين المروي والمطري الذين يبذلون قصارى جهدهم ساعين لتجاز كل العقبات والمعوقات والمحصلة النهائية للمنتجات الزراعية لهم فيها القدح المعلى، وهي ثمرة جهدهم. ونأمل ألا ينطبق عليهم المثل القائل«الخيل تجقلب والشكر لي حماد». محطة ثالثة: حصاد آخر الدورة أعلنت نتائج المرشحين لموقع الوالي في المؤتمرات الولائية لحزب المؤتمر الوطني، وحصل كل الولاة الحاليين على المرتبة الأولى باستثناء والي نهر النيل الذي خرج من المنافسة والملاحظة التي لا تغيب عن الجميع من خلال ما ينشر ويبث في أجهزة الإعلام أن كثيراتً من الولاة أخذوا يصرحون ويبذلون الوعود لتحقيق الكثير من الإنجازات ولعل الستة أشهر القادمة التي تسبق الانتخابات ستشهد إنجازات تفوق على ما تم في بقية السنوات التي مضت من الدورة الحالية، ومهما كانت الدوافع فإن المواطن هو المستفيد في مرحلة المنافسة هذه. وبهذه المناسبة نذكر على سبيل المثال أن طريق الشيخ الطيب ود السائح الذي يمر بقلب الجزيرة ويخفف الضغط على شارع الخرطوم مدني عند قهوة الخشب منذ أمد طويل رغم تصريح بعض المسؤولين بأن الميزانية مرصودة والمكون المالي موجود وأعلنوا مؤخراً أنهم سيبدأون في إنجاز أربعة عشر كيلو متراً تمتد حتى كاب الجداد، وقد سمع المواطنون ضجيجاً في المرات السالفة، ونأمل أن يروا طحيناً وإنجازاً حقيقياً هذه المرة.