حسرة وألم مع خليط بشعور الخوف ينتاب الفرد حين يسمع اخبار التعدي والتحرش بالاطفال. وبالرغم من الجوانب التوعوية التي تفردها وسائل الاعلام حول مخاطر جريمة الاغتصاب والتحرش بالاطفال ما يجعل الاسر في حالة حذر دائم تجاه اطفالهم لتفادي الوقوع في الجريمة، الا اننا نجد ان الشخص المغتصب ومرتكب الجريمة يمثل احد افراد الاسرة، وهنا تصعب السيطرة على الامر ويعرض الاطفال الى اكبر المخاطر التي يمكن ان تقع عليهم. ومن الملاحظ ان محاكم الاطفال بمختلف انحاء العاصمة امتلأت بجرائم اغتصاب من قبل اقرب ما يكون لديهم، في الوقت الذي تضع فيه الاسرة الثقة الكاملة في ذاك الوحش المفترس الذي يفتقد أي نوع من الانسانية، وانما تحول في تلك اللحظة الشيطانية الى مجرم متوحش، وباحساس الألم والقهر دخلت الاسرة الى قاعة المحكمة تصطحب ذاك الطفل الصغير «س» الذي لم يتجاوز عمره اربعة أعوام.. المعتدي عليه من قبل ابن خاله «ح» الذي كان يسكن معهم في ذات المنزل بغرض اكمال دراسته الجامعية، نسبة لأن اسرته تعيش خارج السودان، ولم يكن لديه من اقربائه سوى عمته «م» والدة الطفل التي بادرت بالموافقة على ان يبقي «ح» معها حتى تتمكن من مراعاته، الا انه لم يحافظ على تلك الثقة، وقالت والدة الطفل امام المحكمة انه في يوم الحادث كانت تقوم ببعض اعمال المنزل من تنظيف وغسل ملابس، وكان الوقت عصرا يميل الى ساعة الغروب، وخرج والد الطفل لقضاء احتياجات المنزل، وكان «س» نائماً، وعند استيقاظه صار يبكي معترضاً على ان والده لم يصطحبه معه، ولارضائه قام «ح» بأخذه الى ميدان بالقرب من المنزل يجتمع فيه شباب المنطقة ويلعبون الكره، وقالت: لم اعترض على ذلك لثقتي بان طفلي في أيدٍ أمينة، وعند خروجهم واصلت عملي في المنزل بشكل طبيعي، وتأخر الوقت كثيراً على موعد عودتهم، وتبادر الى ذهني ان «ح» يريد ارضاءه الى حين عودة والد الطفل، ولكن حتى رجع والده الى المنزل لم يحضرا واتصلوا عليه هاتفيا واخبرهم انه مع احد اصدقائه، وعندما عادوا الى المنزل كان الطفل نائماً وتبدو عليه آثار البكاء حتى تورم وجهه، وعندما سألوه اخبرهم ان البكاء نتيجة لعدم ذهابه مع والده، وانتهي الامر على ذلك حتى منتصف الليل، حينما استيقظ الطفل وهو في حالة هيستريا وجسده يرتعش وحرارته مرتفعة.. وسارع والداه بأخذه الى اقرب مستوصف بالمنطقة، واجريت له فحوصات كاملة، ولاحظ الطبيب آثار تلوث ودماء على ملابس الطفل، فسأل والدته فاخبرته انها لا تعلم شيئاً، واجرى الطبيب فحصاً اكتشف بعده ان الطفل تعرض الى حالة اغتصاب بشعة، وانهارت الام واغمي عليها، وتدخل الوالد وبشجاعة اخبر الطبيب بتفاصيل ما حدث خلال اليوم، واتفقوا على ان يعرضوا الملابس على الادلة الجنائية لاكتشاف المجرم، وبالفعل تقدم والد الطفل بتدوين بلاغ بالحادثة دون ان يوجه اتهاماً لشخص معين، لكن ما تضمنته التفاصيل يشير الى المجرم الحقيقي. وفي تلك الاثناء اختفى «ح» عن المنزل واغلق هاتفه المحمول، وبمساعدة رجال الشرطة والترصد له حول مداخل الجامعة تمكنوا من القبض عليه وعرضه على الادلة الجنائية لتأكيد البينة الذي طابقت التقرير الجنائي واصبح «ح» هو المتهم الاول في القضية، وبالتحري معه والتشديد عليه انهار واعترف بارتكابه الجريمة، فكانت كارثة اخرى بالنسبة للأم المكلومة، ووصفتها بالمصيبة التي حلت بهم، خاصة انها كانت تضع له مكانة حباً واحتراماً وشفقة، وتعامله كما لو كان ابنها.. لكنه خان الود والرحمة تجاهه، وبدورها احالت النيابة الملف الى المحكمة التي من جانبها استمعت الى كل اطراف البلاغ، واصدرت عقوبة السجن المؤبد في مواجهة المتهم.