ابتسامة جميلة وجدناها من مضيفات طائرة تاركو البوينج، عند نهاية السلم الذي يؤدي الى جوفها ونحن بمعية البروفسير حيدراحمد دفع الله رئيس القضاء ومعه رؤساء الاجهزة القضائية بولايات السودان، متوجهين الى المدينة الساحلية «بورتسودان» لانعقاد المؤتمر السادس لرؤساء الاجهزة القضائية بحاضرة ولاية البحر الاحمر الذي عقد تحت شعار «نحو قضاء راسخ وعدل ناجز»، وبعد دقائق فقط من صعودنا وجلوسنا على مقاعدنا تحولت ابتسامة المضيفات الى ضحكات من بعض الزملاء بعد ان اعلنت احدى المضيفات فك الاحزمة حتى تعبأ الطائرة بالوقود، فسأل زميلي خالد الفكي احد المضيفين عن سر فك الاحزمة والطائرة لم تدر بعد محركاتها، فكانت اجابته حتى نكون جاهزين ان حدث ما لا يحمد عقباه في لحظات تعبئة الوقود، فضحكنا وبدأنا في الدردشة مع بعض المضيفات حتى اقلعت الطائرة ووصلنا بسلام لمدينة بورتسودان، قبل النزول من الطائرة كانت جموع غفيرة تنتظر قادة قضاء السودان وعلى رأس المستقبلين كان والي البحر الاحمر محمد طاهر ايلا وبمعيته عدد مقدر من حكومته، وعلى جانب قريب من مراسم الاستقبال الرسمية كانت هناك عدد من الفرق الموسيقية الشرقاوية التى ابدعت واطربت باجمل الرقصات والموسيقى، وتواصل الاستقبال الموسيقي عند باحة فندق كورال الذي يجلس على ضفاف الكورنيش الراقي، فابدع سيدي دوشكه الذي تغنى باجمل الالحان الشرقاوية التى وجدت الاستحسان والقبول من القضاة وغيرهم من ضيوف مدينة بورتسودان. دقة ونظام والتزام بالمواعيد *أكملنا اليوم الاول في مدينة بورتسودان وسط ضيافة وكرم اهل الشرق الحبيب، وختم يوم السبت بدعوة عشاء من والي البحر الاحمر في كورنيش السيلانت بالضفة الشرقية لمدينة بورتسودان حيث توجد العديد من المطاعم الرائعة واجملها كان «مايوركا» الذي أيضاً طرب فيه الوفد بأغاني الشرق وغير الشرق وتمايل الضيوف طرباً منضبطاً افرح الوجدان. في صباح اليوم الثاني بدت الحركة اكثر نشاطاً وحيوية من القضاة وهم يتأهبون لانطلاق الجلسة الافتتاحية لمؤتمرهم السادس، وبدأت قاعة الامير عثمان دقنة اكثر نظاماً وهي تستقبل اعداداً كبيرة من الضيوف، وربما هي من المرات القليلة جداً التى اجد فيها انضباطاً لبدء زمن احد المؤتمرات، فكان المؤتمر السادس لرؤساء الاجهزة القضائية الاكثر انضباطاً ان كان في زمن انطلاق الجلسة الافتتاحية اوالكلمات وزمنها، وهذا الالتزام ربما جعل المؤتمر يخرج بتنظيم جيد في كل شيء. النزاهة والعدل.. عنوان قضاء السودان * اكد مساعد الرئيس موسى محمد احمد في كلمته في الجلسة الافتتاحية، على اهتمام الدولة بتعزيز دور السلطة القضائية وتوفير معينات العمل بما يحقق الاستقلالية والنزاهة. فيما اعلن والي البحر الاحمر محمد طاهر ايلا عن اصدار قانون خاص لاعانة القضاء على محاربة تهريب السلع والسلاح والبشر. وطالب بتدريب القضاة الاهليين المنتشرين بالريف لتخفيف القضايا المرتبطة بالمجتمعات المحلية، وباهى بنزاهة القضاء، واضاف «القضاء السوداني فوق الشبهات فهو عادل ومستقيم»، مشيراً الى ان ولايته ترتبط بقضايا النقل البحري والتجارة الخارجية والتأمين والمصارف، اما رئيس القضاء البروفسير حيدر احمد دفع الله قال ان العدالة البطيئة نوع من الظلم الذي نأباه، ورأى ان سرعة الفصل في الدعاوى وتبسيط امد النزاعات عنوان بان القضاء السوداني وقضاته ب«خير»، مبيناً ان القضاء يؤدي رسالته في انفاذ حكم القانون بلا رهب ولا رغب حتى أضحى القضاء عنواناً للتجرد والنزاهة على مستوى العالم. وشدد على ان الفصل الناجز والعادل من اولويات ادارته، وكشف رئيس القضاء عن انه عبر للرئيس البشير ان تولي هذه الامانة يقتضي التواصل والتشاور لاجل تذليل الصعاب التي تعترض مسار العدالة في البلاد، وتابع «وجدت الرئيس متفهماً وداعماً لذلك مع استقلال وفعالية القضاء في رسالته»، مبشراً بمشروع حوسبة العمل القضائي بعد التعاقد مع كبريات الشركات التي نفذت مشروع المحاكم الالكترونية ب«دبي» . واضاف «تطبيق المشروع يوفر المال والوقت والجهد وهو ليس ترفاً»، وتعهد خلال العام المقبل بانشاء التفتيش القضائي ومعهد لتدريب العاملين بالقضائية، ونبه دفع الله بان المؤتمر السادس يهدف الى تقوية وتطوير الاجهزة الولائية ، بجانب الوقوف على الاداء الاداري والمالي ومعوقات العمل القضائية، لافتاً الى ان ادارة الهيئة تتخذ من الشورى منهجاً وديناً وقناعة شخصية، واضاف «الشورى تحقق عاملاً نفسياً لتحقيق الاهداف السامية». حوسبة القضاء.. خطوة المستقبل *ربما المشروع الذي يخطط له الان الجهاز القضائي ويعمل له بقوة، هو ذاك المشروع الذي ذكره رئيس القضاء في كلمته كثيراً وهو حوسبة العمل القضائي، حيث قال بروفسير حيدر رئيس القضاء ان هذا المشروع نأمل ان يؤدي القضاة فيه دورهم على اكمل وجه وهو إيذان منا بتدريب القضاة والموظفين وتأسيس المحاكم على ان ترتقي بتطوير العمل القضائي الالكتروني وهو من اكبر المشاريع في السلطة القضائية في المرحلة القادمة. وختم رئيس القضاء كلمته بتذكير لقادة العمل القضائي بان ساعة العمل قد دقت ولا مكان للمتقاعسين ولا الكسولين، فرسالتنا واضحة ونقولها ونؤكدها كل مرة لابد من قضاء عادل وناجز ودور رؤساء الاجهزة القضائية متابعة الاداء القضائي بدقة، وقبل كل شيء فما زال الناس يشكون من تأخر الفصل في الدعاوى. طلب اللجوء السياحي *استمر مؤتمر رؤساء الاجهزة القضائية يومين كاملين في اجتماعات ومناقشات اوراق العمل العديدة والتى ربما الورقة التى كثر الحديث حولها هي التدريب والتأهيل، وعلى الرغم من الضغط الكبير في الاجتماعات الا ان الوفد باكمله استمتع باجواء مدينة بورتسودان وشوارعها المنظمة ومطاعمهم الراقية وفرقها الموسيقية المدهشة، وربما هذا ما جعل نائب رئيس القضاء مولانا عبد المجيد ادريس يبدأ المؤتمر الصحفي الذي عقد نهاية الجلسات بكلمة وجدت الارتياح ربما من جميع الحضور وهي مطالبته بحق اللجوء السياحي في مدينة بورتسودان، وفسر الجميع هذا الطلب بضرورة اجازة يقضيها مولانا على كورنيش بورتسودان الرائع خاصة مع اجواء المدينة الرطبة هذه الايام، وبعد هذه الفاتحة في المؤتمر الذي شارك فيها والي البحر الاحمر محمد طاهر ايلا بدأ مولانا عبد المجيد في توضيح اوراق العمل التى تم تناولها خلال المؤتمر الذي شرف جلسته الافتتاحية الى جانب مساعد رئيس الجمهورية ووالي البحر الاحمر، كل من الاستاذ الطيب هارون نقيب المحامين ودكتور الرشيد حسن سيد احمد عميد كلية القانون جامعة الخرطوم وعضو المفوضية القومية للخدمة القضائية ودكتور عثمان احمد فقراي عضو المفوضية القومية للخدمة القضائية، واستمع المؤتمر الى تقارير العمل والاداء من رؤساء الاجهزة القضائية واكد على تنفيذ التوصيات التى خرج بها المؤتمرون بعد تداول بوعي ومسؤولية كاملة للموضوعات المطروحة. التوصيات تركز على التدريب * وكانت التوصية الاولى التى خرج بها المؤتمر هو اهمية التدريب للقضاء والكوادر المساعدة، مع التركيز على تخصيص ميزانية كافية لادارة التدريب لتقوم بالدور المنوط بها، هذا الى جانب ان ادارة التدريب عليها ان تقوم بعمل دورات تدريبية لقضاة المحاكم الريفية ليسموا بدورهم في مسيرة القضاء مع وضع اسس محددة وعادلة لاختيار القضاة للتدريب الخارجي، على ان تولي ادارة التدريب تدريب المساعدين القضائيين والاشراف عليهم حتى ترقيتهم للدرجة الثالثة، الى جانب زيادة عربات ترحيل النزلاء والمنتظرين ومد الاجهزة القضائية «بمواتر» لحل مشكلة الاعلانات والعمل على الانتقال الفوري الى التطور الالكتروني وتوفير معينات العمل للحوسبة القضائية وضروة تدريب القضاة والعاملين على اجهزة الحاسوب، توطئة لتطبيق النظام الالكتروني بالمحاكم والعمل على تشييد مباني رئاسات الاجهزة القضائية، التى لم يتم بناؤها حتى الان كأولوية قصوى، الى جانب تفعيل اللوائح والمنشورات المنظمة للعمل الاداري والقضائي، وضرورة اعادة هيكلة الكادر الوظيفي لمهندسي الحاسوب بما يتواكب ومشروع النهضة الالكترونية مع الاهتمام بتدريبهم داخليا وخارجياً، ومعالجة هيكلة الفنيين والسائقين مع مراعة معالجة تأخر ترقياتهم الى جانب زيادة مكافأة المحاكم الاهلية لدورهم في العمل بالمناطق الريفية النائية، ومنح رؤساء الاجهزة القضائية سلطات تقديرية لتأسيس البنية التحتية للاجهزة القضائية ووضع اسس محددة وعادلة لاختيار القضاء للتدريب الخارجي ودعم الخدمات الاجتماعية للقضاء والعاملين وتوزيع دوائر المحكمة العليا والاستئناف لدوائر متخصصة، وتسجيل الاحكام الكترونياً وتدريب القضاة والكوادر المساعدة للقيام بذلك الى جانب التوسع في برنامج الابتعاث الداخلي بعمل شراكات مع الجامعات في المجالات المختلفة حسب حاجة العمل، الى جانب اعادة برنامج الابتعاث الخارجي في الدراسة ووضع الضوابط والاسس لذلك، والاهتمام بالعدالة الناجزة بسرعة والفصل في الدعاوى ومتابعة تنفيذ موجهات وقرارات المحاكم الاعلى، وضرورة اهتمام رؤساء الاجهزة الولائية بالعمل القضائي ومتابعة اداء المحاكم كأولوية قصوى وسد العجز وسط قوات الشرطة القضائية للتجنيد وفك الاختناقات في الترقيات وختمت التوصيات بتحسين بيئة عمل الشرطة القضائية. دردشة إعلامية مع القضاة خارج الأسوار *حسناً.. انتهى المؤتمر السادس لرؤساء الاجهزة القضائية الذي انعقد بمدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الاحمر، وبدت علامات الارتياح ظاهرة في وجوه قادة القضاء في السودان ربما لروعة استقبال المدينة الساحلية وروعتها التى بدت عليها خلال ايام انعقاد المؤتمر، وبدأ عدد من رؤساء الاجهزة القضائية بالولايات في التفكير لقضاء اجازتهم بالمدينة الساحلية، وربما اولهم هو نائب رئيس القضاء مولانا عبدالمجيد الذي طالب بحق اللجوء السياحي في المدينة الفاتنة بورتسودان، كان والي البحر الاحمر محمد طاهر ايلا قد ارسل رسالة مبطنة في كلمته في الجلسة الافتتاحية بدعوة الجهاز القضائي بانعقاد هذا المؤتمر سنوياً في عروس الشرق «البحر الاحمر»، ولكن الاكثر دهشة كان للوفد الاعلامي الذي رافق القضاة للمؤتمر والذين ظلوا في دردشة «ودية» مع قضاة السودان وهم خارج اسوار المحاكم، خاصة بعد المؤتمر الصحفي الذي أعقبه تسليم شهادات تقديرية للوفد الاعلامي المرافق الذي زاد اطمئنانه على جدية إنفاذ توصيات المؤتمر حتى يتحقق شعاره «قضاء راسخ وعدل ناجز».