هذه قناعتي... إذا كانت الأمية تعني الجهل بمعرفة الأشياء كالكتابة والقراءة، فبكل بساطة تجد من يقرأ لك ويكتب شأنه شأن الرؤساء الذين يلازمهم في كثير الزيارات مترجم بغرض فك طلاسم الحديث حتى يصبح سهلاً وميسوراً... أيضاً يمكن أن تستأجر من يكتب نيابة عنك لتوصيل ما تريد إيصاله من فكرة وأفكار بكل بساطة. ولك ذات الشأن من يقرأ لك فتفهم ماذا يعني المكتوب... هذا دليل واضح على أن الأمية لا علاقة لها بمستوى نصاحة العقل ودرجات ذكائه... وفي غالبيتها تكون بدافع الظروف التي تحرمك من التعليم، حيث أن بعض المجتمعات حينها لم تكن ذات قناعة بجدوى التعليم أصلاً، لكن هذا لا يكون بأي حال من الأحوال خصماً على درجات الذكاء التي تكون بالفطرة. الآن الدليل القاطع أن الأمية أو الجهل ليس لديها أي دور في عملية انتقاص جودة العقل ومستوى عطائه ونشاطه، سوى ما يتركه المجتمع في نفس الأمي بأنه جاهل... وربما هذا الجاهل له من القدرة على الذكاء ما لا تتوفر لدى الذي فك الخط «أو كما يقولون». كثير من العلماء والأدباء والمخترعين في العالم لم يتلقوا تعليماً بفك عقدة المدارس والجامعات وغيرها من دور التعليم والتعلم... لكنهم كانوا نجوماً في بحر العلوم، ولا داعي لذكرهم فهم معروفون في العالم كله... والدليل القاطع على ذلك أن علماء الفلك والمكتشفين الأوائل لكل الأشياء لم يكونوا متعلمين، ولكنهم اكتشفوا ما هو أصبح طريقاً ممهداً لأصحاب العلم بأن يفتخروا بما حسنوه وطوروه ولكنهم لا يدرون أنهم ورثوه... و«عباس بن فرناس» لم يكن طياراً في يوم ما قبل أن يقع وينكسر، لكنه قال إنه بالأجنحة يمكن أن نطير وطرنا ولم «نرك» حتى اليوم، وإن شاء الله ما «نرك». الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أمياً... لأن الرسالة التي قدمها للأمة الإسلامية هي ما سماها فطاحلة هذا الزمن الاستراتيجية، وهو لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى... وهو صاحب علم الاستراتيجية ونظريتها، فحديثه وأحاديثه جميعها مشبعة بمفاهيم العلم والعلوم والرؤى المستقبلية ذات المفاهيم الاستراتيجية... إذاً كيف يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أمياً بمفهوم الجهل... أقول لكم لم تكن الأمية حين أطلقت على الرسول صلى الله عليه وسلم لتحمل ذات المعنى بقدر ما هي تعني الأمية بالنسب إلى الأمة، فهو الذي جمعها وهذبها ورباها وكان لا يفرق بين هذا وذاك فسمي بالأمي... أي أنه للأمة كلها بعث رسولاً. هذه قناعتي ورأيي الخاص، وان كانت الدلائل تؤكد ما ذهبت إليه دون أي اجتهاد ولا صعوبة تفكير... فهو أصلاً معروف، كيف يكون الرسول أمياً بفهم الجهل وهو الذي يقول اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد؟! إذن لا بد أن نعترف بأن الأمية ليست هي بلادة العقل انما هي درجة من درجات الحرمان للتعلم والتعليم لظروف قد لا يكون للإنسان دخل فيها... من هذا المنطق ندخل الى عالمنا اليوم لنقص قصة ذلك المخترع الأمي. أمامي العديد من الشهادات والمستندات والخطابات التي تشير الى أن الأمي علي أحمد أبو رأس هو صاحب البراءة في الاختراع الخاص بتوليد كهرباء للزراعة بواسطة الضغط الأزموزي بمساعدة الجاذبية الأرضية... هذه البراءة نالها تحت الرقم «677» من وزارة العدل قانون براءات الاختراع لسنة 1971م. وتحت الرقم «1378» من وزارة العدل المسجل العام للملكية الفكرية وثيقة براءة. حفيت قدما هذا الرجل المخترع الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، إنما سنده على أبنائه الذين يسدون له ثغرة هذه الكتابة والقراءة شأن الذي يستأجر مترجماً لكن القرار عنده والتوقيع يخصه في نهاية اللقاء... حفيت قدماه وهو يسعى ليجد قبولاً للتنفيذ، ولكن لا جدوى من كل الخطابات التي أودعها بوهج الكلم تشير لدرجات الموافقة العالية، ولكنها بالنسبة له «حبر صُب على ورق» لا جديد ولا خطوة للأمام «مارش». الرجل أخذت الأيام من عمره ما أخذت، فقد كاد يناطح السبعين من عمره، لكنه بصحة جيدة وعقل متقد من شدة الذكاء... وللرجل رسومات للمشروع، وبعض الجامعات أوصت بضمه لاختراعات الطلاب في مشروعات تخرجهم في الجامعة، وهذا رأي لا جدوى منه «ما قلتوا أمي» علاقته شنو بالطلاب؟! عمنا.. دعوني أناديه بالعالم المخترع، فقد علم بشيء لم يعلم به الآخرون من البشر... عمنا العالم علي أحمد أبو رأس... رجل طموح فمازال يعشم في أن يخلد اسمه ويقهر فكرة «الأمية» هي «الجهل» والظلام، وانما هي عدم الإلمام بالكتابة والقراءة فقط، فالعقل لا علاقة له بأن تكون الأمية واردة في حياة الناس، وما أكثر الأميين في عالم رجال الأعمال الذين يفهمونها طائرة فيحققون أرباحاً فشل في تحقيقها علماء الاقتصاد. لماذا لا تهتم الدولة أو شركة خاصة به وتتبنى تنفيذ الفكرة حتى تؤتي أكلها ومن ثم ينطلقون... «ولله في خلقه شؤون». المخترع علي أحمد أبو رأس فقط يحتاج لوقفة للفصل في ما اخترعه أين يقع به، وقد حفيت قدماه وتورمت من «تعال وأمشي.. وخلينا نشوف».. وأنسب شخصية يمكن أن نرسل لها المخترع علي أحمد أبو رأس هو معتز موسى وزير الري والكهرباء، فالرجل يهتم بمثل هذه القضايا... ورجل ناجح لا يحب الفاشلين «الخملة» الذين يتحدثون وينقدون ولا ينتجون، ولهم ألسنة فصيحة في الفارغة.. وهو الذي أخاطبه عبر الوهج ليتولى فكرته، أما يصدقها بالتنفيذ أو يكذبها ويدحضها للأبد... فالأمل ممكن لدى مكتب هذا الرجل... والأوراق طرفنا.. والرجل سهل التناول... حين تقولون خلاص قبلنا... يتم منانا ويكبر أملنا.. لا تقطعوا العشم في الأميين فهم أصحاب فكرة تحتاج لتنفيذ.