كانت تستهويني سِيرة الشيخ معروف الكرخي، ففي سيرته تجسيد حيّ لما نردده من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من يهده الله فلا مضل له..» وكانت تستهويني طريقته في الدعوة إلى الله، وما أحوجنا أن ندعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة في زمن خيّمت فيه الفتن كقطع الليل البهيم، فوجدت سيرة مختصرة له على الشبكة العنكبوتية تلك المكتبة الإليكترونية المتحركة، فقد جاء فيها: أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الثاني الهجري في بغداد، ومن جملة المشايخ المشهورين بالزهد والورع والتقوى، وصفه الذهبي ب «عالم الزهاد بركة العصر» صحب داود الطائي، وسكن بغداد، كان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى مؤدبهم، وهو صبي، وكان المؤدب يقول له قل: «ثالث ثلاثة»، فيقول معروف: «بل هو الواحد الصمد»، فضربه على ذلك ضرباً مفرطاً، فهرب منه. فكان أبواه يقولان: «ليته يرجع إلينا، على أي دين كان، فنوافقه إليه»، فرجع إليهما، فدقّ الباب، فقيل: «من»، قال: «معروف»، فقالا: «على أي دين؟» قال: «دين الإسلام» فأسلم أبواه. نزل يوماً إلى دجلة يتوضأ ووضع مصحفه وملحفة فجاءت امرأة فأخذتهما، فتبعها، قال: «أنا معروف لا بأس عليك، ألك ولد يقرأ القرآن؟»، قالت: «لا»، قال: فزوج، قالت: لا، قال: فهات المصحف، وخذي الملحفة. وكان قاعداً على دجلة ببغداد إذ مر به أحداث في زورق، يضربون الملاهي ويشربون؛ فقال له أصحابه: ما ترى هؤلاء في هذا الماء يعصون الله، أدع الله عليهم، فرفع يديه إلى السماء قال: «إلهي وسيدي، كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة. فقال له أصحابه: إنما قلنا لك: ادع عليهم، فقال: إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا، ولم يضركم شيء» وقد كان أن هداهم الله جميعاً.. وأصبحوا من عباده المتقين: مشارف الأخبار في سير الأخيار: ص:1/73 من أقواله: «الدنيا أربعة أشياء: المال، والكلام، والمنام، والطعام. فالمال يطغي، والكلام يلهي، والمنام ينسي، والطعام يسقي. ما أكثر الصالحين، وأقل الصادقين في الصالحين. إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فتح عليه باب العملِ، وأغلق عنه باب الجَدل. وإذا أراد الله بعبدٍ شراً، أغلق عنه باب العملِ، وفَتح عليهِ باب الجَدلِ. توكل على الله عز وجل حتى يكون هو معلمك وموضع شكواك، فإن الناس لا ينفعونك. غضوا أبصاركم، ولو عن شاة أنثى. قيام الليل نور للمؤمن يوم القيامة يسعى بين يديه ومن خلفه وصيام النهار يبعد العبد من حر السعير. وقال حين سئل: ما علامُة الأولياء؟ فقال: ثلاثٌة: همومهم للهِ، وشغُلهم فيه، وفَرارهم إليه. ذُكِر معروف عند الإمام أحمد ، فقيل عنه: قصير العلم ، فقال الإمام احمد: أمسك عليك، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟ قال إسماعيل بن شداد: قال لنا سفيان بن عيينة: ما فعل ذلك الحَبْر الذي فيكم ببغداد؟ قلنا: من هو؟ قال: أبو محفوظ معروف. قلنا: بخير، قال : لا يزال أهل تلك المدينة بخير ما بقي فيهم. وكان يقول عن مجلسه: «مجلسي هذا يجب أن نقيه فتنة المتبوع، وذلة التابع». لا يريد أن يفتتن بكثرة أتباعه. قيل: أتى رجل بعشرة دنانير إلى معروف، فمر سائل، فناوله إياها، وكان يبكي، ثم يقول: يا نفس كم تبكين؟ أخلصي تخلصي. وسئل: كيف تصوم؟ قال : صوم نبينا صلى الله عليه وسلم كان كذا وكذا، وصوم داود كذا وكذا، فألح عليه، فقال : أصبح دهري صائماً، فمن دعاني، أكلت، ولم أقل: إني صائم. وقص إنسان شارب معروف، فلم يفتر من الذكر، فقال: كيف أقص وأنت تذكر؟ فقال: أنت تعمل، وأنا أعمل. وقيل: اغتيب رجل عند معروف، فقال للمتحدث: اذكر القطن إذا وضع على عينيك. وعنه قال: من كابر الله صرعه، ومن نازعه، قمعه، ومن ماكر، خدعه، ومن توكل عليه منعه، ومن تواضع له رفعه، كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله. جعلنا الله وإياكم ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه.... وجمعتكم مباركة.