قبل أن نستيقظ يوماً على بيان يعلن ميلاد ولاية السودان، التابعة للدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش)، يجب أن ننظر في شرعية ما يقوم به الداعشيون، من محاولة لإقامة دولتهم على أنقاض الدول الإسلامية. فالتنظيم بدأ تمدده في كل من العراق وسوريا، ثم أنشأ له فرعاً في مصر تحت مسمى ولاية مصر، ولا بد أن دولاً أخرى سيخرج منها من يؤمنون بفكر داعش، ويتمردون على حكوماتهم، معلنين ولاءهم لداعش، ومبايعتهم لقائد التنظيم أبو بكر البغدادي، والذي هو في نظرهم أمير المؤمنين الذي يجب أن يبايعه مسلمو الأرض جميعاً! والسودان ليس بعيداً عن هذا السيناريو. على خلفية أن بعض السودانيين قد انضموا إلى داعش، وتقلدوا مناصب رفيعة في هذا التنظيم، فربما كان هذا دافعاً يوماً من الأيام، لتدشين نشاط التنظيم في السودان. وإذا بدأنا بمناقشة قيام دولة (داعش) كفكرة، نجد أنها فكرة مخالفة للشرع الإسلامي، لأنها قائمة على الانقضاض على الحكومات في الدول الإسلامية، وانتزاع السلطة منها بالقوة. وهذا مخالف لنصوص القرآن والسُّنة التي تأمر بطاعة الحاكم المسلم. وتُحرِّم التمرد عليه وقتاله تحريماً قطعياً لا يتطرق إليه شك، فمن نصوص القرآن قوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) النساء الآية «59» فالتنفيذيون في الدولة على رأسهم الرئيس أو رئيس الوزراء أو الملك هم أولياء أمر المسلمين، فتجب طاعتهم. وشدد النبي صلى اللَّه عليه وسلم على ذلك في وصيته الغالية للأمة: (أوصيكم بالسمع والطاعة. وإن تأمر عليكم عبد) رواه أبو داود والترمزي. ومحاربة الدولة فيه إزهاق للأرواح، واتلاف للمال العام، وإضعاف للأمة، وتضييق على الشعب المسلم بسبب الحرب التي تصحب معها التدهور الاقتصادي. والحالة الوحيدة التي يجوز فيها للمسلمين قتال حكومتهم، ما ورد في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي اللَّه عنه قال: دعانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فبايعناه. فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرةٍ علينا، وإن لا ننازع الأمر أهله قال يعني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من اللَّه فيه برهان) رواه البخاري ومسلم. والنظرة السطحية للحديث تبحث في شخص الحاكم، في محاولة لتصنيفه هل هو مسلم أم كافر؟ والفقه المتعمق هو ما ينصرف إلى منهج الدولة، من دستور وقوانين. وإلى سياساتها، هل كل هذا نابع من الإسلام؟ أم هو مستنسخ من غيره؟ فالكفر البواح يكن في نظام الدولة أظهر منه في شخص الحاكم. فإذا كان نظام الدولة إسلامياً، فلا يجوز التمرد وقتال الحكومة القائمة عليه، حتى لو كان الرئيس والفئة الحاكمة فاسقين ظالمين آكلين لأموال الشعب، ولكن هذا لا يمنع الإنكار عليهم بالطرق السلمية، ولا يمنع حتى ازاحتهم بالطرق السلمية إذا كانت هذه إرادة غالبية الشعب. وأما إذا كان النظام كافراً، يكون الحاكم قد فقد أهليته لقيادة الشعب المسلم، فيجوز عندها أو يجب إزالته عن سدة الحكم، حتى ولو وصل الأمر إلى قتاله. وفي حالة تنظيم داعش فإن حكام العراق ومصر لم يظهر فيهم كفراً يبيح قتالهم. لقد اتفقت آراء المذاهب الأربعة على عدم جواز قتال الحاكم المسلم، وهو ما اصطلح على تسميته في الفقه الإسلامي ب (الخروج على الحاكم) وتتابع العلماء سلفاً وخلفاً على الاتفاق على هذا الحكم الشرعي، لذلك لم يجد (داعش) عالماً واحداً يؤيد قتالهم للدول المسلمة، وهكذا نرى بوضوح بطلان فكرة قيام دولة (داعش) بل هي فكرة مرفوضة من كل التيارات الفكرية الإسلامية. وإذا القينا نظرة على إدارة (داعش) للمناطق التي يسيطر عليها، لوجدنا الداعشيون يقومون بأفعال بعيدة كل البعد عن نهج الإسلام، مثل قتل المدنيين الذين لم يشاركوا في الحرب، فبعضهم كان يقوم بأعمال إنسانية، وبعضهم صحفيون ينقلون للعالم ما يفعله بشار بشعبه، فيذبحونهم أمام العالم، مشوهين بذلك صورة الإسلام. وقد كانت الجيوش الإسلامية التي انتصرت على أعتى الإمبراطوريات، تلتزم بأخلاقيات في القتال لم يشهد لها العالم مثيلاً فما كان خالد بن الوليد ولا عقبة بن نافع ولا صلاح الدين الأيوبي، يقومون بما يقوم به (داعش) من قتل للذين لا يجيدون حمل السلاح فضلاً عن محاربة المسلمين. ٭ خلاصة القول إن (داعش) وما شابهها من جماعات لا تخدم الإسلام، بل تشوه صورته، ولا تخدم المسلمين، وإنما تسفك دماءهم وتدمر اقتصادهم، ويبقى أعداء الإسلام هم المستفيدون من هذه الحروب التي تخوضها الجماعات ضد إخوانهم المسلمين.