تشكل جريمة التهريب وحدة من أخطر الجرائم التي تغتال المجتمعات من خلال تدمير الاقتصاد القومي، والتأثير السالب على الوضع الأمني والاجتماعي، و«التهريب» سواء أكان للسلع أو البضائع الممنوعة والمصرح بها أو لتهريب البشر والسلاح والمخدرات فإنها تشكل ما يعرف بالجريمة العابرة. فالسيطرة على الحدود واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الأجهزة المختصة خاصة وأن حدود البلاد محاطة بجملة من المهددات على رأسها الحدود الطويلة والممتدة والمتداخلة مع دول تعاني من أوضاع مأساوية واضطرابات أمنية وتصدعات سياسية، مما ينشط حركة التهريب وتجارة السلاح ودخول الجرائم العابرة والجرائم الالكترونية والمصاحبة للتهريب التي تعتمد على عمليات غسل الأموال، بجانب السياسات الاقتصادية فيما يتعلق بالسلع الإستراتيجية كصادر الذرة والصمغ العربي. فالتهريب من الناحية الاقتصادية يعمل على اختلال الميزان التجاري بخروج كثير من رؤوس الأموال خارج قنوات المنظومة الاقتصادية بالبلاد، وهو ما أكدته الدراسات المتخصصة في هذا المجال، إضافة إلى ظهور الاعتلالات الاقتصادية من تضخم وعجز في الميزانية وانهيار في الاقتصاد، بجانب إغراق الأسواق بالسلع المحظورة والفاسدة والضارة بالصحة خاصة المخدرات والعقاقير التي تؤدي لخفض معدلات الإنتاج، وظهور جرائم مصاحبة ومستحدثه مثل غسيل الأموال، ويؤثر التهريب على الأمن من خلال زيادة رؤوس أموال خارج النظام المصرفي، وتساعد هذه الأموال غير المقامة على نشاط تجاري، وبالتالي نشاط المنظمات الإجرامية والمتمردة والإرهابية. وبالمنطق العقلي فإن تأمين الحدود والسيطرة عليها يحتاج لقوات خاصة ومعدات وإمكانات دولة، وما يبذل من جهود على قلته فإنه مقدر لكنه لا يفي بالحد المعقول، ويتضح ذلك من خلال الإفرازات السالبة لمهددات الحدود. خلال هذا الأسبوع وقعت الجمارك عقداً مع شركة عالمية لاستيراد وتركيب أجهزة الكشف بالأشعة السينية للمحطات الجمركية الحدودية والمعابر، وقالت الجمارك إن هذه النقلة من شأنها تقديم خدمة جمركية سريعة وإن الأجهزة صممت خصيصاً لمكافحة التهريب. وبالنظر لتلك المهددات، فإنها لا تأتي بالمعابر وما يمر بالمحطات الجمركية فإنه سيكون تحت السيطرة، فما الذي يمنع الاستفادة من تجربة الجمارك في استخدام التكنولوجيا لمراقبة الحدود والتعاقد مع شركات مماثلة لاستيراد أجهزة تصوير وكاميرات مراقبة حديثة، لتتكامل العملية الأمنية في السيطرة على الحدود؟ فتهريب البشر والتسلل والأدوية المحظورة والمغشوشة لا تأتي بالبوابات والمعابر الرسمية!! أفق قبل الأخير الجمارك السودانية الآن أصبحت جزءاً من المجتمع الدولي، فما الذي يمنع من تنسيق عمليات المكافحة على المستوى الدولي بالتعاون مع منظمة الجمارك العالمية من خلال المكاتب الإقليمية والعربية والإفريقية لتبادل المعلومات. أفق أخير البعض يرتكب جرائم حدود أخطر من التهريب