جاء في ديباجة إعلان الأممالمتحدة عام 1945 «نحن شعوب الأممالمتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن نجنب الأجيال القادمة ويلات الحروب والتي في ظرف عقدين من الزمان خلفت كوارث تفوق حد الوصف». تلك الكوارث التي تمثلت في إزهاق أرواح الملايين من البشر ودمرت الموارد الطبيعية وجلبت الشقاء للشعوب في كل أرجاء الكرة الأرضية وأنتجت أسلحة الدمار الشامل التي هددت الحضارة الإنسانية والحياة على كوكب الأرض بالزوال. أدرك الراشدون والمفكرون من قادة المجتمع الإنساني أن محور السلام وإعمار الكون هو الإنسان الذي ميزه خالق الكون بالعقل والبصيرة وراشد في جعل الحياة على كوكب الأرض أكثر سعادة وأقل عدوانية وأن كرامة الإنسان فوق كل خلق الله، وهذه الكرامة تتأصل في الحقوق الفطرية الأولية للإنسان وتعزيز حقوقه الأساسية وحقه في الحياة والاستجابة لاحتياجته. شعوب الأممالمتحدة التي آلت على نفسها تجنيب الأجيال القادمة ويلات الحروب والعدوانية أدركت أن السلام يبدأ من الإنسان، فتواثقت على مبادئ الإعلان العالمى لحقوق الانسان كأول تعاهد بعد إعلان الأممالمتحدة فى العام 1947 وصادقت على الإعلان جميع دول العالم فى اليوم العاشر من ديسمبر، وهو اليوم الذى أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوماً عالميًا لحقوق الإنسان، ودعت الحكومات والشعوب للاحتفاء بيوم حقوق الإنسان وأشرف مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بجنيف على حث الدول الأعضاء والمنظمات الحقوقية والمدنية والمؤسسات الوطنية ووكالات وبعثات الأممالمتحدة أن تجعل من يوم العاشر من ديسمبر من كل عام يومًا لنشر الوعى بثقافة حقوق الإنسان وتعزيز مبادئه وحماية الأفراد والجماعات من الانتهاكات التى تقع عليهم والدعوة إلى تنظيم المجتمعات والحكومات على احترام حقوق الإنسان لشعوب دولها. فى يوم الأربعاء العاشر من ديسمبر الجارى يأتى الاحتفال الواحد والعشرين ليوم حقوق الإنسان واختارت المفوضية السامية لحقوق الانسان شعار العام 2014«حقوق الانسان 365 يوماً» وكان شعار العام الماضى«عشرون عامًا لحقوق الإنسان» فى اشارة للاحتفال العشرينى بيوم حقوق الانسان واختيار شعار العام الحالي يرمز الى إبقاء جذوة موضوعات حقوق الإنسان متقدة في حياتنا اليومية على مر أيام العام. تمثل موضوعات حقوق الإنسان لنا في السودان أهمية خاصة شأن مجموعة دول العالم الثالث التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي ومن ضعف البنية الاجتماعية والتنموية والنزاعات الأهلية التي في محصلتها إنتاج أوضاع إنسانية غير مستقرة وانتهاكات لحقوق الإنسان وبتصاعد درجة الحاجة الى مواجهة الواقع وامتثالاً لمبادئ الحكم الرشيد، فقد توجهت الدولة الى إعلان تكوين المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان فى العام 2012«المفوضية القومية لحقوق الإنسان» وتأسيس وإنشاء عدد من الآليات والمؤسسات الرسمية المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان الى جانب تنظيم ورعاية المنظمات غير الحكومية الناشطة فى مجالات العون المدنى والحقوقى، وهذه الهيئات والمنظمات اكتسبت خبرات واسعة واتبعت مناهج رصينة فى التوعية والاستنارة والرصد والمتابعة والحماية لفئات الحماية. تفاعلت المؤسسات والمنظمات الوطنية الرسمية والأهلية مع المنظومات الإقليمية والدولية واستوعبت شمولية مبادئ حقوق الإنسان والتزاماتها القطرية تجاه المجتمع الدولى ومؤسسات الأممالمتحدة، وظلت تحتفل بالمناسبات الأممية ومن بينها اليوم العالمي لحقوق الإنسان من خلال برامج تتصل بالتوعية ونشر ثقافة حقوق الإنسان ومدارسة أوضاع فئات الحماية والمستضعفين والمتضررين من النزاعات المسلحة والتشريعات والقوانين وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان وبما يطابق نصوص الحريات والحقوق في الدستور الوطني. إن دور المؤسسة الوطنية السودانية«المفوضية القومية لحقوق الإنسان» وفق قانون المفوضية عام 2009 فى الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان يتقدم على الهيئات والمنظمات الوطنية في حدود جغرافية السودان، فقد نفذت برنامجاً طموحاً في العام 2013 بدأت فعالياتها مطلع ديسمبر بزيارات تعريفية لأماكن الاحتجاز «السجون» الاتحادية لفئات النوع والأحداث والاطفال ولقاءات مع منظمات المجتمع المدنى بشعار حماية حقوق الإنسان مسؤولية الجميع، واختتم احتفال العام الماضي بلقاء ضم كل الشركاء الوطنيين والاقليميين والدوليين وسفراء الدول المانحة والداعمة وبحضور الخبير المستقل السابق مشهود بدرين. ويأتي احتفال هذا العام الذي يغطي شهر ديسمبر الجاري بتنفيذ عدد من الفعاليات من بينها زيارات توعوية وتعريفية بحقوق الإنسان لعدد من المدارس الثانوية والجامعات وتوزيع ملصقات لدفاتر تلاميذ مرحلة الأساس يشمل تعريفاً مبسطاً عن حقوق الإنسان ونشر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى جانب زيارات تفقدية لأماكن الموقوفين «الحراسات» استكمالاً لمشروع العام الماضي حول أوضاع حقوق الإنسان في مؤسسات الاحتجاز والتخطيط لزيارات تشمل عدداً من ولايات السودان، والالتقاء بمنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية للتداول حول دورهم في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في هذه الولايات، وتنفيذ برنامج مشترك مع الاتحاد العام للصحافيين السودانيين حول موضوعات حقوق الحريات وموضوعات الحقوق الأساسية، وفي يوم الأربعاء العاشر من ديسمبر يتم لقاء استقبال مع الشركاء الوطنيين والإقليميين والدوليين ومؤسسات الأممالمتحدة العاملة في السودان، يتم فيه الاحتفاء بيوم حقوق الإنسان وطرح ملامح برنامج المفوضية للعام القادم مع الشركاء الوطنيين والدوليين لتحقيق شعار العام «حقوق الإنسان 365يوماً».